المقصود بالحرب والجهود الدولية تجاه تلك المشكلة
يمكن تعريف الحرب بأنها : "صراع بين القوات المسلحة لكل من الفريقين المتنازعين ، ويهدف كلا منهما إلي صيانة حقوقه ومصالحه في مواجهة الطرف الآخر".
كما ذهب تعريف آخر إلي أن الحرب من الناحية القانونية نضال مسلح بين الدول بقصد تحقيق غرض سياسي .
وفي تعريف ثالث تمثل الحرب صراعاً مسلحاً بين دول بهدف تغليب وجهة نظر سياسية .
وبما يكون أكثر التعريفات تغليباً ومن وجهة نظرناً أن الحرب هي " الحالة التي نستطيع أن ندافع فيها عن حقوقنا بالقوة " .
هذا ويمكن تصنيف الحرب إلي عدة أنواع منها :
1) الحرب العامة والحرب الخاصة :
والأولي تعني النزاع المسلح بين الدول أما الحرب الخاصة فهي تكون بين الأفراد وقد زال هذا النوع من الحروب بعد تقدم الحضارة والبشرية ، ولم يتبق إلا حروب دولية بمعنى الكلمة .
2) الحرب الأهلية:
وقد وصفها جرسيوس بأنها الحرب بين أعضاء المجتمع الواحد ، وتعد هذه الحرب عامة بالنسبة للحكومة القائمة وأهلية أو خاصة بالنسبة للأفراد الذين يقاومون الحكومة.
3) الحرب العادلة والحرب غير العادلة :
الحرب العادلة هي الحرب التي تقوم للدفاع عن إقليم الدولة واستقلالها السياسي ، أما الحرب غير العادلة فهي تقوم للاستيلاء علي أرضي الغير بالغصب دون سبب مشروع.
4) الحرب المعلنة والحرب غير المعلنة :
الحرب المعلنة هي الحرب التي تتم بإعلان حالة الحرب ضد الدولة المعادية بواسطة السلطات العامة في تلك الدولة أما الحرب غير المعلنة فهي التي تبدأ فجأة بالهجوم من دولة علي دولة أخرى دون إعلان سابق لحالة الحرب .
5) حرب العصابات :
وهي العمليات القتالية التي يتم ممارستها في إقليم دولة تم احتلالها من قوات دولة أجنبية ، ويمارس تلك الحرب أفراد مسلحون لا يشكلون جزاءً من القوات المسلحة الرسمية للدولة المعتدى عليها ، وذلك بهدف إجبار القوات المعادية علي الجلاء عن إقليم تلك الدولة .
6) حروب التحرير الوطنية :
وقد ظهر هذا النوع من الحروب عقب الحرب العالمية الثانية ويمكن تعريفها بأنها منازعات تنشأ من نضال الشعوب الخاضعة للحكم الاستعماري من أجل الحصول علي حقها في تقرير المصير .
تطور فكرة الحرب في العصور المختلفة
1) الحرب في اليونان القديمة :
كانت الحرب مألوفة في العهد اليوناني القديم ، وإن لم يكن لها مفهوم قانوني محدد ، حيث وضعت العديد من القيود مثل حظر الحرب في أوقات وأماكن معينة طبقاً لتقاليد يونانية ولنصوص بعض المعاهدات .
وكان يتعين وجود سبب للحرب قبل اللجوء إليها ، وكانت قوانين الحرب تطبق فقط بين أفراد الشعب اليوناني دون غيرهم من الأفراد ، وقد عرف هذا العهد مبدأ المسئولية عن الحروب وتطبيق نظام التحكيم بين المدن اليونانية ، كما أبرمت معاهدات تشبه مواثيق عدم الاعتداء التي طبقت في المجتمع اليوناني أنفاً .
2) الحرب في عهد الرومان :
تختلف فكرة الحرب عند الرومان عن اليونانيين ، فقد اعتبروا أن الشعوب لا تربطها بروما معاهدات صداقة أو ضيافة أو تحالف اعداء للإمبراطورية الرومانية ، واعتبر إعلان الحرب رسمياً أمراً ضرورياً وإلا كانت الحرب غير عادلة ، وتعتبر الحرب عادلة إذا كانت بسبب الأخذ بالثأر أو الدفاع عن النفس أما غير ذلك فتعتبر غير عادلة .
وطبق هذا العهد الهدنة خلال الحروب لفترة محددة ، وتطبق قوانين الحرب علي الشعب الروماني فقط أما ما عداه من الشعوب فلا تطبق عليها هذه القوانين .
3) الحرب في العصور الوسطى :
لعبت الكنيسة دوراً هاماً بالنسبة للوضع القانوني للحرب ومدى مشروعيتها في تلك الفترة حيث فرضت قيوداً على سلطة الدولة في هذا الشأن ، وفي نهاية حكم الإمبراطورية الرومانية بدأ الصراع بين الكنيسة والدولة بشأن الحق في شن الحرب ، حيث أرادت الدولة أن تفرض سلطتها في هذا الشأن ، بينما تأثرت الكنيسة بالتعاليم الدينية والتي ترى عدم حمل المسيحي السلاح كجندي في الإمبراطورية ، ولكن هذا الوضع تغير بعد تعرض الإمبراطورية للغزو من البرابرة و وسيطرت خلال تلك الفترة ما يسمى بالحرب العادلة وهي التي يأمر بها البابا أو الإمبراطور مع شرط الإعلان عنها وأن تكون لسبب مشروع .
4) الحرب في القرنين الخامس عشر والسادس عشر :
شهدت تلك الفترة تدهور في النظام الإقطاعي وضعف سلطة كل من البابا والإمبراطور ، وبداية نشأة نظام توازن القوى ، وكان الاعتمام خلال تلك الفترة بالسلطة التي تملك حق إعلان الحرب وأجمعت الآراء على أن السلطة التي تملك حق إعلان الحرب هي السلطة التي تملك السيادة وهو الملك ، كما سيطر خلال تلك الفترة نظام الحياد الذي فرض تحييد بعض الأماكن وإبعادها عن أن تكون ساحات للقتال ، وساد أيضاً نظام توازن القوى الذي أدى إلي إبرام العديد من الاتفاقات بين الدول والتي تحقق بها السلام بين تلك الدول لفترة من الزمن .
5) الحرب في القرنين السابع عشر والثامن عشر :
أدت حرب الثلاثين (1618-1648) بين الدول الأوربية إلي إظهار أهمية نظام توازن القوى للمحافظة على السلام حيث ساد هذا النظام العلاقات الدولية حتى نشوب الحرب العالمية الأولى 1914 .
وأحيا جروسيوس خلال تلك الفترة نظرية الحرب العادلة من جديد ولكن علي أسس مختلفة فالحرب تكون عادلة إذا كانت للدفاع عن القانون وغير عادلة إذا كانت ضد القانون ، كما أهتم فقهاء تلك الفترة أيضاً بفكرة الحياد ، ورأى جروسيوس أن من واجب الدولة المحايدة أن تساعد الدولة التي تحارب حرباً عادلة ، وخلال القرن الثامن عشر فقد كثرت الحروب مما أدى إلي بحث فكرة الحياد وما هي واجبات الدولة المحايدة .
6) الحرب في القرن التاسع عشر حتى إنشاء عصبة الأمم :
يعتبر نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين بدء ظهور النظام الدولي الحديث ، خاصة فيما يتعلق بالحرب حيث تميزت الحروب خلال تلك الفترة بالعنف والدمار الشديد بين الدول المتحاربة ، وقد شاهدت تلك الفترة الاعتراف بالحق المطلق للدول في إعلان الحرب ، إلا أنه بدأت تظهر في نهاية تلك الفترة اتجاهات حديثة للتسوية السلمية للمنازعات .
كما بدأت خلال تلك المرحلة محاولات تنظيم الحرب والآثار المترتبة عليها ، وبدا هذا واضحاً في المؤتمرات الدولية التي عقدت خلال تلك الفترة والتي نتج عنها إعلان باريس الصادر في 16 إبريل 1856 بشأن الحرب البحرية واتفاقات جينيف الخاصة بمعاملة مرضى وجرحى الحرب والتي أبرمت في 22 أغسطس 1864 ومن أهم الاتفاقات الخاصة بالحرب والحياد وتسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية خلال تلك الفترة تضمنتها اتفاقات لاهاي لعامي 1899، 1907 ، وقد فرضت هاتين الاتفاقيتين بعض القيود علي الحق المطلق للدول في اللجوء إلي الحرب وإن كانت هذه الاتفاقات لم تعتبر اللجوء إلي الحرب عملاً غير مشروع .
7) الحرب في عهد عصبة الأمم :
كانت الحرب واستخدام القوة قبل إنشاء عصبة الأمم وسيلة مشروعة في العلاقات الدولية ، ولكن عندما استكملت العصبة بنيانها القانوني تضمنت المادة العاشرة النص علي تعهد أعضاء العصبة باحترام سلامة أقاليم جميع أعضاء العصبة واستقلالها السياسي القائم والمحافظة عليه ضد أي عدوان خارجي .
وفي حالة وقوع عدوان أو تهديد بوقوع أو حلول خطر فإن مجلس العصبة يشير إلي الوسائل التي يتم بها تنفيذ هذا ، هذا وتضمنت المادة 15/7 من عهد العصبة بعض القيود التي تفرض علي الدول في حالة اللجوء إلي الحرب ، وطالب العهد الدول بإتباع الوسائل السلمية قبل اللجوء إلي الحرب .
ورغبة من العصبة في تدعيم الجهود الرامية إلي حل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية أصدرت في 24 سبتمبر 1927 تصريحاً يحظر كل الحروب العدوانية والتزام الدول الأعضاء بمبادئ العصبة ولكن الخطوة الهامة التي اتخذت لتحريم الحرب هو ما تضمنه ميثاق باريس أو ما يسمى ( ميثاق بريان – كليوج ) الصادر في 27 اغسطس 1928 ، حيث نص هذا الميثاق علي تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية ونبذ الحرب كوسيلة لتسوية تلك المنازعات.
8) الحرب في عهد الأمم المتحدة :
اشتعلت الحرب العالمية الثانية في أواخر عام 1939 وكانت أوربا مسرحاً لهذه الحرب ، ولكن سرعات ما امتدت رحابها إلي أجزاء كثيرة من العالم ، وخلال تلك الفترة شاهد العالم أهوالاً كثيرة ، مما يعني أن العصبة لم تنجح في تحقيق الهدف من إنشائها ، ومن ثم كان من الضروري أن تتجه الدول إلي التفكير في إنشاء منظمة دولية جديدة تكون قادرة علي حفظ السلم والأمن الدوليين وذلك من خلال نظام الأمن الجماعي الدولي ، وفي ذات الوقت تدارك الأخطاء التي وردت في عهد العصبة وجاء معنى ميثاق الأمم المتحدة واضحاً في هذا الشأن حيث ورد بديباجة الميثاق " نحن شعوب الأمم المتحدة وقد ألينا علي أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف ، وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا أن نأخذ أنفسنا بالتسامح ، وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار ، وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي ، وأن نكفل بقبولنا مبادئ معيّنة ورسم الخطط اللازمة لها ألاّ تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة".
كما نصت المادة الأولى من الميثاق الفقرة الأولى وهي تتناول مقاصد الهيئة من حفظ السلم والأمن الدولي ، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم ، وتتذرع بالوسائل السلمية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي ، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلي الإخلال بالسلم والامن الدوليين ، كما نصت المادة الثانية الفقرة الرابعة علي المبدأ الذي يعتبر العامل الأساسي في العلاقات الدولية المعاصرة والذي ينص على عدم استخدام القوة في العلاقات الدولية.