نظراً لأن شهادة الشهود في كثير من الأحيان تكون هي الدليل الوحيد القائم في الدعوى ، ونظراً لأن الشهادة الصادقة قد تكون خر معين للمحكمة في تكوين عقيدتها وحكمها، فإنه يجب أن تتوافر في الشهود الأهلية والصفات التي تؤهلهم لتأدية هذه المهمة ، كما أن هناك شروطاً أخرى يجب توافرها في الشهادة ذاتها.
الشروط الواجب توافرها في الشهود
أولاً : التمييز والاختيار :
#التمييز : هو المقدرة على فهم ماهية الفعل وطبيعته وتوقع الآثار التي من شأنه إحداثها وهذه القدرة تنصرف إلي ماديات الفعل فتتعلق بكيانه وعناصره وخصائصه ، كذلك إلي آثاره من حيث ما تنطوي عليه من خطورة على المصلحة أو الحق الذي يحميه القانون ، وما تنذر به من اعتداء عليه .
وقد نصت على شروط التمييز المادة 82 من قانون الإثبات بقولها : " لا يجوز رد الشاهد ولو كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلا أن يكون غير قادر على التمييز بسبب هرم ، أو حداثة أو مرض أو لأي سبب آخر " ، وإذا كان قانون الإجراءات الجنائية قد منع رد الشهود بالمادة 285 منه التي نصت على أنه " لا يجوز رد الشهود لأي سبب من الأسباب " فأنه تطبيقاً لنص المادة 287 أ.ج يكون المعول عليه أمام المحاكم الجنائية هو نص المادة 82 من قانون الإثبات .
أ) وتطبيقاً لذلك إذا كان الشاهد حدثاً مميزاً ولا يميز : لا تقبل شهادته لأن سن التمييز حسب نص المادة 64 ع هو السابعة ، وقد أقام المشرع قرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس على انعدام التمييز لدى الصغير دون السابعة ، والعبرة في تدبر السن هي وقت وقوع الحادث أي وقت إدراك الشاهد لا وقت الأداء ، وهو أمر متروك لقاضي الموضوع فيفصل فيه على أساس شهادة الميلاد الرسمية إذا قدمت له ، أو على أساس تقدير الطبيب أو ما يقدره هو في الأحوال الأخرى ، أما بالنسبة للصغير من سن 7-14 سنة ، فقد نصت المادة 283 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه " يجب على الشهود الذين بلغت سنهم أربع عشر سنة أن يحلفوا يميناً قبل أداء الشهادة على أنهم يشهدون بالحق ، ولا يقولون إلا الحق ، ويجوز سماع الشهود الذين لم يبلغوا أربع عشرة سنة كاملة بدون يمين على سبيل الاستدلال.
وفي فرنسا ، نصت المادة 335 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه لا يجوز سماع أقوال الصغار دون سن السادسة عشر ولو حلفوا اليمين إلا على سبيل الاستدلال .
ومقتضى ذلك أن السن المعوذ عليه لتأدية الشهادة في القانون الفرنسي هو سن السادسة عشر ، إذ أن شهادة الأحداث دون سن السادسة عشر لا يجوز سماعها ، وهذا المنع يظل قائماً حتى إذا حلف الحدث الذي لم يبلغ سنه السادسة عشر اليمين ، لأن النص صريح في منع سماع أقوال الصغار دون سن السادسة عشر ولو حلفوا اليمين إلا على سبيل الاستدلال .
أما في إيطاليا فقد أجاز المشرع الإيطالي شهادة الصغار الذين يبلغون سن أربع عشرة سنة بعد حلف اليمين .
ب) مرحلة الشيخوخة : وهي تكون عندما يصل الشخص إلى مرحلة متقدمة من السن تفقده القدرة على الإدراك والتمييز ، أي لا تتوافر له الملكات الذهنية والنفسية التي تكفل له التمييز والاختيار ، ووصول الشخص إلى هذه المرحلة التي تفقده التمييز هو ما عبر عنه قانون الإثبات " بالهرم " وهذه المرحلة غير محددة بسن معين .
وعليه إذا وصل الشخص إلي مرحلة متقدمة من السن وأفقدته التمييز لا تقبل شهادته ولو على سبيل الاستدلال ، لأنها تجعل الشخص في مرحلة الطفل الذي لم يتجاوز السابعة من عمره ، وتقدير ما إذا كان الشخص قد وصل إلى مرحلة الشيخوخة من عدمه مسألة موضوعية تختص بها محكمة الموضوع .
ج) المرض : ويقصد به جميع الأمراض العقلية التي تفقد الإنسان القدرة على التمييز ، وهذا هو منطوق نص المادة 82 من قانون الإثبات التي تقول " ... إلا أن يكون غير قادر على التمييز بسبب هرم أو حداثة أو مرض .... " .
والأمراض العقلية هي اضطراب خطير في شخصية الإنسان يتمثل في صورة اختلال شديد في القوى العقلية وإدراك الواقع مع اضطراب بارز في الحياة الانفعالية وعجز شديد عن ضبط النفس مما يحول بين الفرد وتدبير شئونه ويمنعه من التوافق في كل صورة .
والأمراض العقلية قد تكون عضوية وهي ما كان لها أساس عضوي معروف وراثي أو غير وراثي ، كما يمكن أن تكون نفسية ، وإذا كان تقدير حالة الشاهد العقلية من المسائل الموضوعية التي يختص بها قاضي الموضوع ، إلا أنه ينبغي أن يكون المرجح في تحديد مثل هذه الأمراض وبيان أنواعها إلي الطبيب المختص .
#حرية_الاختيار : هي مقدرة الإنسان على تحديد الوجهة التي تتخذها إرادته ، أي مقدرته على دفع إرادته في وجهة بعينها من الوجهات المختلفة التي يمكن أن تتخذها ، وليست هذه الحرية مطلقة ، وإنما هي مقيدة ، فثمة عوامل لا يملك الإنسان السيطرة عليها ، وثمة مجال يمتنع في داخله بحرية التصرف وتحدد قواعد القانون حدود هذا المجال ، فإن انتفى أو ضاق على نحو ملحوظ فأنساق الإنسان إلى العوامل التي لا يملك عليها السيطرة فقد انتفت حرية الاختيار ، ولذلك يجب بالنسبة للشاهد أن يبدي أقواله بحرية واختيار ، ولا يتحقق ذلك إذا صدرت إثر غيبوبة ناشئة عن تخدير أو سكر قهري وكذلك إذا كان إكراه أو تهديد ويتضح من ذلك أن حرية الاختيار تنتفي بنوعين من الأسباب هما :
أ) الغيبوبة الناشئة عن تعاطي المسكرات : وهذه الحالة لم تنص عليها صراحة المادة 82 من قانون الإثبات ، وإنما تفهم ضمناً من النص ، إذ يقول " لا يجوز رد الشاهد ولو كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلا أن يكون غير قادر على التمييز بسبب هرم أو حداثة أو مرض أو لأي سبب آخر " ، ويفهم من عبارة " أو لأي سبب أخر " أن النص ينطبق على جميع الحالات التي تؤدي إلي فقد الإنسان شعوره بصفة مؤقتة وتجعله غير قادر على التمييز .
والمقصود بالغيبوبة هناك تلك الحالة التي يفقد فيها الشخص شعوره أو وعيه بصفة مؤقتة أو عارضة إثر تعاطي كمية من سائل أو مادة مخدرة لإحداث هذا الأثر ، وتختلف عن حالة فقدان الشعور الناشئة عن الإدمان في تعاطي المخدرات أو المسكرات ، والتي تدخل في معنى العاهة العقلية ، إذ أنها غيبوبة مستمرة ولو كان منشؤها إدمان الخمور أو تعاطي المخدرات ، فلا تعد في ذاتها سكراً وإنما تلحق بعاهة العقل .
ويؤدي السكر أو التخدير إلى عدم القدرة على التمييز ، وينقص من السيطرة على الإرادة على نحو محسوس نتيجة لمادة أدخلت في الجسم سواء عن طريق الفم أو الحقن أو الشم أو امتصاص مسام الجلد أو أية طريقة أخرى .
وعموماً فإنه متى ثبت أن الشاهد قد تناول أي كمية من المواد المسكرة أو المخدرة تؤدي إلي انحراف الوعي أو إضعاف سيطرة الشخص على إرادته فلا عبرة بما إذا كان السكر اختيارياً أو غير اختياري ، كلياً وهو ما يفقد الشعور أو الاختيار أو جزئياً وهو ما ينقص منها أو من أحدهما فقط ، وتقدير ما إذا كان الشاهد غير قادر على التمييز بسبب تناوله مادة مخدرة أو مسكرة مسألة موضوعية يختص بالفصل فيها قاضي الموضوع .
بيد أنه ينبغي لكي يكون قضاؤه سليماً أن يستعين بأحد الأطباء أو الخبراء لتقدير هذه الحالة.
ب) الإكراه : هو ذلك الضغط الذي يمارس على إرادة الغير فيجعلها تتشكل وفقاً لإرادة من باشر الإكراه ، أو هو ذلك التأثير أو تلك القوة التي يباشرها شخص عمداً ضد آخر فيسلبه إرادته أو ينتقص من قدرته على التعبير ، وذلك بهدف حملها على القيام بأعمال معينة ويميز الفقه عادة بين نوعين من الإكراه ، المادي وهو الذي يؤدي إلي انعدام الإرادة كلية لمن بوشر عليه ويترتب عليه صدور تعبير لا تقابله إرادة ، حيث يريد فيه المكره مجرد التعبير دون المضمون ، أما الإكراه المعنوي فيقصد به ذلك الضغط الذي يؤدي إلي انعدام جزئي يؤثر في التكوين الطبيعي للإرادة وفقاً لبواعث الشخص الخاصة .
وتطبيقاً لذلك فإن الإكراه المادي هو الذي يشمل إرادة الشاهد على نحو ينسب إليه غير حركة عضوية مردة من الصفة الإرادية ، وتنص معظم التشريعات على تحريم العنف كوسيلة للحصول على الشهادة ، وتبطل الأقوال التي تصدر عن الشاهد أثر هذا الإكراه .
كما أنه من المقرر أن الدفع ببطلان أقوال الشاهد بصدورها تحت تأثير الإكراه هو دفع جوهري يتعين على محكمة الموضوع أن تعرض له بالمناقشة والتنفيذ لتتبين مدى صحته .
كذلك فقد يكون الإكراه الواقع على الشاهد معنوياً ، وذلك بأن يكون عن طريق التهديد بإلحاق الأذى دون إيقاعه بالفعل لكنه تهديد يؤثر في إرادة الشاهد ويحدث رهبة في النفس فيضعفها ، وفي ذلك قضت محكمة النقض " .... يشترط في أقوال الشاهد التي يعول عليها أن تكون صادرة عنه اختيار ، وهي لا تعتبر كذلك إذا صدرت أثر إكراه أو تهديد ... ".
ثانياً : ألا يكون للشاهد صفة في تكوين هيئة المحكمة أو مساعدتها :
يجب أن يتمتع الشاهد بالحياد التام ، وذلك بأن يتجرد من كل غرض شخصي في النزاع ، حتى لا تتعارض صفته في الدعوى مع صفته كشاهد ، لذا يجب إلا يكون للشاهد صفة في تشكيل المحكمة ، أو أنه يقوم بمساعدة المحكمة في أداء مهمتها .
ولذلك فإن المواد 257 ، 344 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي قد طبقت هذه الفكرة وقررتها على المترجمين والمحلفين أمام محاكم الجنايات ، كما أن المادة 407 قد طبقتها على المترجمين أمام المحاكم كما تشمل هذه الفكرة أيضاً القضاة وسكرتيري التحقيق وأعضاء النيابة العامة بحيث أنه إذا دعا هؤلاء للشهادة وكانت لديه معلومات في الدعوى المنظورة وجب عليه أن يتنحى عن نظرها ويؤدي الشهادة كغيره من الأفراد أمام الهيئة الجديدة ، أما إذا لم تكن لديه معلومات ، وإنما أعلنه أحد الخصوم بقصد مجرد تنحيته بدون وجه قانوني ، فله أن يرفض ذلك ويستمر في أداء مهمته .
كذلك يدخل في نطاق عدم الصلاحية المتهمون أنفسهم ، فهم لا يصلحون أن يكونوا شهود نفي أو شهود إثبات ، إلا أن استجوابهم يحل محل الإدلاء بالشهادة بالنسبة لهم ، ولذلك فإن قضاة التحقيق وقضاة المحاكم يضعون ذلك في اعتبارهم قبل أن يقيموا اقتناعهم .
لكن عدم الصلاحية هذه لا تمتد إلي ضباط الشرطة ، ولا إلى مساعديهم حيث يجري العمل على اعتبار رجال الشرطة القضائية شهوداً أمام المحاكم الجنائية أو أمام قضاة التحقيق .
ثالثاً : يجب على الشاهد أن يحلف اليمين القانونية قبل أداء الشهادة :
#أهمية_اليمين : يعتبر اليمين من أهم الضمانات التي تضفي على الشهادة الثقة التي يتعين أن تتوافر لها كل تكون دليلاً يستمد منه القاضي اقتناعه ، كما يعتبر أيضاً من أهم الشكليات التي تلفت انتباه الشاهد إلي أهمية ما يقوله ، وتجعله حريصاً على قول الحق ، فالشاهد ربما يتراجع عن الكذب أمام تأدية اليمين لأن ذلك يخلف من ورائه تأنيباً للضمير .
ومع ذلك فهناك بعضاً من الفقهاء يشككون في قيمة اليمين خاصة وأن الوازع الديني قد ضعف لدى كثير من الأفراد مما يجعلهم يقدمون على الحلف غير متورعين عن قول الكذب .
ولذا ينقسم أنصار هذا الاتجاه إلى فريقين : أحدهما ينادي بجعل اليمين اختيارية بحيث إنه عندما يدعو القاضي الشاهد لأداء الشهادة فإنه يتركه حراً في أن يؤدي اليمين بالنسبة للشهادة كلها أو جزءاً منها ، على أن يكون قسمه مطابقاً لمعتقداته ، وبهذا تعطي للقسم قيمة حقيقية إذ بالاختيار نرفع من شأنه وقيمته التي بدأت تتلاشى رويداً رويداً .
أما الفريق الآخر فإنه ينادي بإلغاء اليمين كلية لأنه لا يعدو أن يكون وسادة لكل القضاة غير المعدين جيداً لبذل مجهود نقدي ، وهذا الرأي هو ما يتماشى مع البلدان الاشتراكية التي لا تؤمن بالأديان .
تعريفه : وأياً ما كانت الانتقادات التي وجهت إلي اليمين ، فإن غالبية التشريعات في النظم الإجرائية المختلفة تشترط سبق الشهادة باليمين ، أي الشاهد يتخذ من الله تعالى رقيباً على صدق شهادته ، ويعرض نفسه لغضبه وانتقامه إن كذب فيها .
صيغه وجزاؤه :
تتنوع صيغ اليمين باختلاف النظم الإجرائية المختلفة : ففي مصر لم تبين المادة 283 أ.ج صيغة لليمين لكنها أوجبت حلف اليمين ، كذلك الحال في المادة 86 من قانون الإثبات الحالي التي اكتفت بالنص على أنه يجب على الشاهد أن يحلف يميناً بأن يقول الحق وألا يقول إلا الحق ، ولما كانت اليمين لا تستمد قوتها إلا من عقيدة الشاهد ، فقد أجازت المادة 86 ، 128 من قانون الإثبات أن يؤدي اليمين حسب الأوضاع الخاصة بديانته إذا طلب ذلك ، وقد استقر القضاء المصري منذ زمن بعيد على اقتران اليمين بذكر الله العظيم بحيث يكون حلف اليمين على النحو التالي : أقسم بالله العظيم أن أقول الحق ، ألا أقول شيئاً غير الحق " ، على أن البعض يرى أن قول الشاهد أثناء الحلف " أقول الحق ولا أقول غير الحق " صيغة ناقصة لجواز أن يعلم الشاهد أمراً يفيد الدعوى ولا يسأل عنه ، وهذا يستوجب أن يضاف إلي الصيغة عبارة " ويقول كل الحق " ، ويجب على المحقق أو القاضي أن يثبت في المحضر حلف اليمين ، لكن إذا
لم يثبت ذلك في المحضر فلا يترتب على إغفاله البطلان ، فالغرض أن الإجراءات قد روعيت .
وهذا الافتراض يقبل إثبات العكس ، فإذا أثبت عدم اليمين قضي بالبطلان ، والبطلان هنا يتعلق بمصلحة الخصوم .
وفي فرنسا حدد المُشرع صيغة اليمين في المادة 331/3 أ.ج بالنسبة لمحكمة الجنايات بقوله : "ويؤدي الشهود القسم بدون إكراه وبدون خوف بقول كل الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة " ، وفي المواد 103،446/536 أ.ج بالنسبة لمحاكم الجنح والمخالفات بقوله "يقول الشاهد كل الحق ولا شيء غير الحق" وتعتبر صيغة اليمين في القانون الفرنسي حتمية وملزمة لجميع الشهود بحيث لا يجوز أن يحذف منها أو يغير منها شيء ، وإلا ترتب على ذلك بطلان الشهادة .
وقد استقرت أحكام المحاكم الفرنسية على الحكم ببطلان الشهادة إذا حلف الشاهد "أن يقول الحق" بدلاً من عبارة "كل الحق" لأنه قد يخفي جزءاً من الحقيقة ، أو إذا حلف بأن يقول "كل الحق" ولم يقل عبارة "ولا شيء غير الحق" لأنه قد يقول الحقيقة ولكن يضيف شيء غير حقيقي ، وإذا رفض الشاهد أداء اليمين بالصيغة التي يتطبها القانون فإن المحاكم تعتبر رفض أداء القسم بمثابة رفض الإدلاء بالشهادة ويحكم عليه بالعقوبات المقررة .
الاستثناءات التي ترد على قاعدة وجوب حلف اليمين قبل أداء الشهادة :
أ) حالة الصغير :
تنص المادة 283/2 أ.ج مصري ، على أنه " وبجوز سماع الشهود الذين لم يبلغوا أربع عشر سنة كاملة بدون حلف يمين على سبيل الاستدلال ونفس الوضع نجده في القانون الانجليزي ، وتنص المادة 108 أ.ج فرنسي على سماع من لم يبلغ السادسة عشر سنة بدون يمين ، ومن المتفق عليه فقهاً وقضاء أن سماع أقوال من لم يبلغ السن التي حددها المشرع بدون يمين يكون فقط على سبيل الاستدلال ، والهدف من ذلك تقليل قيمة هذا النوع من الشهادات في مجال الإثبات ، وتحذير القاضي من أن يضفي عليها القيمة التي يضفيها عادة على شهادة أديت بعد يمين ، وتوافرت لها بذلك الضمانات التي تكفل الثقة فيها ، ولكن هذا الهدف لا يتحقق دائماً ، فمبدأ " الاقتناع القضائي " وما يفترضه من تخويل القاضي السلطة التقديرية في وزن الدليل وتحديد قيمته ، قد يجعله يضع ثقته في شهادة أديت على سبيل الاستدلال بل إن في سلطته أن يضفي عليها ثقة أكثر مما يعطيه شهادة أديت بعد يمين .
ب) من حكم عليهم بعقوبات جنائية أثناء مدة العقوبة :
تختلف النظم الإجرائية في موقفها إلي من صدر ضده حكم بالإدانة ، وذلك حول مدى أهليته للشهادة ، فالكثير من التشريعات الإجرائية تستبعد شهادة من حكم عليه بعقوبة جنائية ، وكذلك الشخص الذي حرم من مباشرة حقوقه المدنية بحكم جنائي ، والبعض الأخر يثير مشكلة الثقة في أقوالهم .
ففي مصر تنص المادة 25/3 ع على أن " كل حكم بعقوبة جنائية يستلزم حتماً حرمان المحكوم .. من الشهادة أمام المحاكم مدة العقوبة إلا على سبيل الاستدلال " .
وتنص الفقرة السادسة من نفس المادة على أن من حكم عليه نهائياً بعقوبة الأشغال الشاقة يحرم من أن يكون شاهداً في العقود ، والتأمل في هذه المادة بفقرتيها الثالثة والسادسة يلاحظ أنه بينما تتحدث الفقرة الثالثة عن شهادة المحكوم عليه بعقوبة جنائية وذلك أثناء مدة العقوبة فقط ، فتؤخذ أقواله في هذه الحالة بدون يمين وعلى سبيل الاستدلال نجد الفقرة السادسة تمنعه كلية من أن يكون شاهداً في العقود ، وذلك متى حكم عليه بعقوبة الأشغال الشاقة أصبح الحكم نهائياً .
وفي فرنسا يسمح المشرع بسماع المحكوم عليهم بدون يمين وذلك على سبيل الاستدلال .
الشروط الواجب توافرها في الشهادة
أولاً : شفوية سماع الشهادة :
يجب على المحكمة أن تسمع بنفسها وأن تناقش شفوياً الشهود ، وتمكن سائر الخصوم من مناقشتهم ، فالأصل أنه لا يجوز الاكتفاء بالشهادة المدونة في المحضر ، بل يجب على المحكمة أن تسمع هذه الشهادة بنفسها لكي تقدر تمام التقدير مدى صحتها أو صدقها فالشهود الذين أخذت أقوالهم في مرحلة سابقة يجب سماعهم أمام المحكمة ولا يسمح للقاضي أن يستمد اقتناعه إلا من الأدلة المعروضة عليه مباشرة وبما يسمعه ويشاهده في الجلسة دون وسيط .
والاستعانة بالمذكرات أو الوثائق أخذ بها المشرع المصري كذلك في المادة 90 من قانون الإثبات الحالي والتي تنص على أن " تؤدي الشهادة شفاهة ولا يجوز الاستعانة بمذكرات مكتوبة إلا بإذن المحكمة أو القاضي المنتدب وحيث تسوغ ذلك طبيعة الدعوى ، وهذا يسري أمام المحاكم الجنائية بنوعيها طبقاً للقاعدة التي تقضي بأنه في حالة عدم وجود نص في قانون الإجراءات الجنائية يرجع إلي قانون المرافعات .
وجدير بالذكر أن المحكمة لا تلتزم بسماع جميع الشهود الذين أدلوا بأقوالهم أثناء التحقيق وكل ما لها هو أن تختار الشهود الذين ترى شهادتهم مفيدة في كشف الحقيقة .
الاستثناءات الواردة على مبدأ شفوية الشهادة :
هناك أحوال معينة قد تكتفي فيها المحكمة بما جاء بأوراق الدعوى دون حاجة إلى الشهود ومن ذلك اعتراف المتهم أو غيابه أو قبوله الاكتفاء بتلاوة أقوال الشاهد ، فإذا اعترف المتهم في الجلسة بارتكاب الفعل المسند إليه ، جاز للمحكمة الاكتفاء باعترافه والحكم عليه بغير سماع الشهود ، كذلك إذا لم يحضر الخصم المكلف بالحضور حسب القانون في اليوم المبين بورقة التكليف ولم يرسل وكيلاً عنه في الأحوال التي يسوغ فيها ذلك ، يجوز الحكم في غيبته بعد الاطلاع على الأوراق .
ثانياً : وجوب تأدية الشهادة في مواجهة الخصوم :
القاعدة المقررة في النظم الإجرائية المختلفة هي ضرورة تأدية الشهادة في مواجهة الخصوم ، إذ أن كل خصم في الدعوى له الحق في سؤال الشاهد ومناقشته ، ولذلك تنص المادة 269 أ.ج مصري ، على وجوب حضور أحد أعضاء النيابة العامة جلسات المحاكم الجنائية ، وعليها أن تسمع أقواله وتفصل فيه ، وتأسيساً على هذه المادة يبطل الحكم إذا بُني على شهادة شهود سمعوا بغير حضور النيابة العامة ، ولا يزيل هذا البطلان إطلاع النيابة في الجلسة التالية على المحضر الذي تحرر عن هذه الشهادات .
كما يجب على القاضي أن يسمع في حضور المتهم حتى يكون بمقدور هذا الأخير أن يتابع شهادتهم ويعدد دفاعه على أساس تفنيد تلك الشهادات ، ليس هذا فحسب بل يتعين أن تتم جميع إجراءات المحاكمة في حضوره ، ويستنتج ذلك من نص المادة 270/1 أ.ج ، حيث عرضت لمثول المتهم أمام المحكمة وأوجبت حضوره بغير قيود ولا أغلال سواء أكان مفرجاً عنه أو محبوساً احتياطاً ، كذلك لكل من باقي الخصوم أي للمدعي بالحق المدني وللمسئول عنه أن يحضرا جلسات المحكمة ولهما الحق في سماع شهودهما .
حجية الشهادة في النظم الإجرائية الوضعية
تقدير قيمة الشهادة التي يدلي بها الشهود أمام المحكمة وفي التحقيقات الأولية تخضع للسلطة المكملة لمحكمة الموضوع ، شأنها شأن سائر الأدلة ، بل قد تكون الشهادة أهم ميادين تطبيق مبدأ حرية القاضي في الاقتناع والمحكمة لا تلتزم بأن تكشف عن علة إعطائها قيمة معينة للشهادة ، إذا ذكرتها فلا تناقش فيها ، ولا تخضع في تقديرها لرقابة محكمة النقض .
تطبيقاً لذلك فإن للمحكمة أن تقضي بكذب الشهادة وأن تأخذ بشهادة وتطرح شهادة الآخرين ، كما لها أن تأخذ بشهادة الشاهد في التحقيق الابتدائي دون شهادته أمام المحكمة ، أو كان هو المجني عليه نفسه متى اطمأنت إلي أن القرابة أو المصلحة لم تحمله على تغيير الحقيقة ، كما أن وجود عداوة بين الشاهد والمتهم لا تدعو لإهدار شهادته ، بل للمحكمة أن تستند إليها في حكمها ، ولها أن تأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت مخالفة لأقوال شاهد آخر ، ولها أن تأخذ بالأقوال التي ينقلها شخص عن آخر ولو أنكرها هذا الأخير متى رآت هي أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة ، كما يجوز الاستناد إلي الشهادة السماعية القائمة على تصرف الشاهد لموت من يشهد عليه ، وبالنسبة للشهادة الواحدة يمكن تجزئتها فتأخذ منها ما تطمئن إليه وتطرح الباقي طالما لم تطمئن إليه ، وإذا جزأ القاضي أقوال الشاهد فأخذ ببعضها وطرح البعض الآخر فيجب عليه أن يذكر أنه قصد هذه التجزئة وذلك كلا لا يؤول حكمه على أنه لم يفهم الشهادة ، ولم يفطن إلى ما لا يعيبها .
وسلطة القاضي في تجزئة الشهادة مشروطة بألا يترتب على هذه التجزئة مسخ الشهادة وتشويه مدلولها بحيث يستخلص منها معنى لم يقصده الشاهد ، أو يجافي المنطق ، إذ في الحالتين يصير الحكم غير مستند إلي دليل يعترف به القانون .
كما يجوز للمحكمة أن تستند في حكمها على أقوال أحد المتهمين على المتهمين الآخرين وتحكم بإدانتهم استناداً على هذه الأقوال متى اطمأنت إليها ، غير أنه يراعي أن أقوال المتهم على المتهمين الآخرين ليست دليلاً بالمعنى الدقيقي ، وإنما هي من قبيل الاستدلالات التي يجوز للمحكمة لأن تستند إليها لتعزيز دليل قائم .
كما يجوز للمحكمة أيضاً أن تستمع لبعض الشهود على سبيل الاستدلال .
وفي القانون الإنجليزي ، فإن للمحكمة سلطة تقدير الشهادة ، فلها أن تعتمد على شهادة واحدة ، إذ أن القاعدة هي أن الدلالة المستمدة من شهادة شاهد - إذا ما اقتنعت بها المحكمة - تكفي لإثبات واقعة أو وقائع تتعلق مباشرة بالنزاع وهنا لا يكون ثمة داع لمزيد من الدلائل المعاونة أو المساعدة للتدليل على هذه الوقائع .
وقد لا يكون شهادة الشاهد بناء على حلف اليمين دائماً محل تحقيق ، وذلك إذا ما رفض الشاهد أن يعيدها في السؤال المضاد ، أو أن الطرف استدعى شهوداً لإثبات كذب ذلك الشاهد ، كما أن لها أن تأخذ بالشهادة السماعية بجانب دلائل أخرى تؤازرها ، إذ أن هذا النوع من الشهادة لا يكفي بمقدوره لإثبات الحقيقة لأنه لا يطرح على بساط المناقشة في السؤال من الطرف الأخر .
وثمة استثناء يتمثل في الحالة التي يكون فيها أساس من المنطق يبعث على الاعتقاد في صحة الشهادة النقلية ، ويكون ذلك عندما ينقل أحد الأطراف أقوالاً معينة عن شخص آخر، وتكون هذه الأقوال في غير صالحه .
وأخيراً فللمحكمة أن تأخذ بقول متهم ، لكن يلاحظ أن هناك عوامل عديدة قد تحمل على الانحراف في أداء مثل هذا النوع من الشهادة ، لذا لابد أن تؤخذ بمزيد من الحيطة والحذر لأن القائم بها حريص على أن يحمي نفسه من الاتهام أو على الأثل تخفيف مسئوليته ، وربما يكون ذلك على حساب تسوئ مركز زملائه.