دور الجمعية العامة والأمين العام للأمم المتحدة في إنشاء قرار حفظ السلام
دور الجمعية العامة للأمم المتحدة في إنشاء القوات الدولية :
يمكن للجمعية العامة وفقاً لآراء عديدة الاستناد إلى نصوص الميثاق لإنشاء قوات دولية ، ونبين هنا الأسس التي استندت إليها تلك الآراء في منح الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء قوات دولية :
1) يذهب أحد الآراء إلى أن الجمعية العامة تستطيع طبقاً لنص المادة العاشرة من الميثاق وما منحته لها من صلاحيات واسعة من مناقشة أية مسألة أو أمر يدخل في نطاق الميثاق ، أن تناقش ما يتصل بإنشاء قوات دولية سواء كانت هذه القوات دائمة أم لغرض معين ، ويمكنها أن تصدر توصيات في هذا الشأن سواء إلى الدول الأعضاء أم إلى مجلس الأمن أو كليهما معاً ، مع ضرورة عدم إغفال القيد الوارد على سلطة الجمعية العامة والمنصوص عليه في المادة 12 من الميثاق ، وهناك رأي أخر يربط بين اختصاص الجمعية العامة وفقاً للمادة العاشرة وبين نص المادة 24 من الميثاق ، ويرى أن الهدف الرئيسي من عقد المسئولية الرئيسية في حفظ السلم والأمن الدوليين لمجلس الأمن هو ضمان العمل السريع والفعال من المجلس في الأحوال التي تتطلب ذلك ، ومن ثم فإن أصبح هذا العمل غير ممكن من المجلس نظراً لعدم اتفاق الأعضاء الدائمين ، فيجب أن تكون الجمعية العامة قادرة على اتخاذ " التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها ، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم " ، ويشير هذا الرأي أيضاً إلى القيد الوارد على سلطة الجمعية العامة وفقاً للمادة 12/1 من أن سلطة مجلس الأمن في مسائل حفظ السلم والأمن الدوليين وإن كانت رئيسية إلا أنها في ذات الوقت ليست مانعة لاختصاص الجمعية العامة بهذه المسائل .
وهناك رأي ثالث يرى أن الجمعية العامة تستطيع وفقاً للمادة 10 أن تتخذ مجموعة القواعد الخاصة بالمبادئ التي يجب أن تحكم إنشاء وتدريب وتنظيم وقيادة واستخدام أي قوات توضع تحت تصرف الأمم المتحدة ، ومن ثم يمكن أن توصي الجمعية العامة الدول الأعضاء باتخاذ الخطوات اللازمة لوضع هذه المبادئ موضع التنفيذ ، ومن المتفق عليه أن الدول الأعضاء ليست ملزمة بتلك التوصيات ، وتستطيع أي دولة أن ترفض التوصية الصادرة من الجمعية بالمساهمة بالأشخاص والسلاح لإنشاء قوة للأمم المتحدة .
2) يمكن للجمعية العامة أن تستند إلى بعض فقرات المادة الحادية عشر من الميثاق لإنشاء قوات دولية ، إذ يذهب أحد الآراء إلى أن المادة 11/1 تعطي الجمعية العامة سلطة وضع الخطوط الرئيسية لقوات دولية تنشأ لتحقيق غرض معين وكذلك إعداد مشروعات بشأن إنشاء قوات دولية دائمة .
وقد فرض أحد الآراء بين نوعين من التوصيات الصادرة عن الجمعية في بيانه لسلطة الجمعية العامة وفقاً للمادة 11/1 ، فهناك التوصيات العامة أو شبه التشريعية ، وهي التي تقرر مقدماً المبادئ التي يمكن أن تخضع لها أي قوة تستخدمها الأمم المتحدة ، وهناك أيضاً التوصية الخاصة بأن تضع الدول الأعضاء قوات مسلحة تحت تصرف الأمم المتحدة ، ويقصر هذا الرأي سلطة الجمعية العامة وفقاً للمادة 11/1 على النوع الأول فقط .
وتعد المادة 11/2 لدى أغلبية الآراء كأساس تستند عليه الجمعية العامة في إنشاء قوات دولية .
3) وتتفق عدة آراء على أن الجمعية العامة تستطيع استناداً إلى المادة الرابعة عشر إنشاء قوات دولية ، وتؤسس هذه الآراء موقفها على أن الجمعية العامة وفقاً لهذا النص لها أن توصي باتخاذ التدابير لتسوية أي موقف ، وأن من هذه المواقف ما ينشأ عن مخالفة أحكام الميثاق التي تبين أهداف ومبادئ الأمم المتحدة ، وأن هذه المبادئ والأهداف تشمل حظر اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية أو التهديد بها ، وبالتالي فإن الدولة التي تنتهك هذا المبدأ بصفة خاصة ، يحق للجمعية العامة أن توصي باتخاذ التدابير في مواجهتها ، ومن الممكن أن يتم تنفيذ التدابير بإنشاء قوات دولية ، وقد أشارت هذه الآراء إلى القيد الذي تضعه المادة 12 على سلطة الجمعية العامة في هذا الشأن .
4) جعلت بعض الآراء للجمعية العامة ، أن تنشئ قوات دولية استناداً إلى سلطتها وفقاً للمادة 22 في إنشاء فروع ثانوية لها ، وبالتالي فإذا رأت الجمعية العامة أن القيام بوظائفها يقتضي إنشاء هذه القوات ، فإن لها أن تقرر ذلك استناداً إلى المادة المذكورة .
وإضافة إلى ما تقدم ، توضح السلطات التي أضفاها " الاتحاد لأجل السلام " على الجمعية العامة في المسائل الخاصة بحفظ السلم والأمن الدولي ، حيث تتفق الآراء على أن هذا القرار أدى إلى زيادة سلطات الجمعية العامة في هذا المجال .
قرار الاتحاد لأجل السلام :
يعتبر صدور هذا القرار في 3 نوفمبر عام 1950 إيذاناً بمنح الجمعية العامة للأمم المتحدة سلطات جديدة في مجال المحافظة على السلم والأمن الدولي ، ومن أهم الوثائق التي دعمت نشاط الأمم المتحدة في هذا الشأن .
وقد تعرض قرار الاتحاد من أجل السلم لنقد شديد خاصة من جانب الاتحاد السوفيتي ، ومن جانب العديد من الفقهاء الذين اعتبروا هذا القرار غر مشروع ومن بين أوجه النقد الذي وجهت إليه :
1) أنه قد عدل من اختصاصات بعض أجهزة المنظمة ، وبالتالي فكأنه عدل أحكام الميثاق دون اتباع الإجراءات المنصوص عليها في المادتين 108 ، 109 من الميثاق ، وأن هذا القرار أياً انت ظروف إصداره فإنه صدر مفتقداً للشرعية .
2) يخالف القرار نص المادة 11/2 من الميثاق الذي أوجب على الجمعية العامة أن تحيل إلى مجلس الأمن كل مسألة يكون من الضروري فيها القيام بعمل ما ( أي التدابير المنصوص عليها في الفصل السابع ) .
3) يؤدي إعمال قرار الاتحاد لأجل السلم إلى ممارسة الجمعية العامة للسلطات التي نص عليها القرار ، وبالتالي فإن هذا يؤدي إلى أن تفقد الخمس الكبرى حقها في الاعتراض ، وهذا يخالف الأحكام التحضيرية للميثاق ، حيث أن هذه الدول لم تقبل التنازل عن قاعدة الإجماع إلا بشرط الاحتفاظ بحق الاعتراض .
4) أعطى الميثاق للدول حق الدفاع عن النفس ، في الحالات التي يعجز فيها مجلس الأمن عن القيام بوظائفه .
وعلى الجانب الآخر ، هناك اتجاهات فقهية أسبغت المشروعية على قرار الاتحاد لأجل السلام ، ودعمت رأيها بأسانيد متعددة ، من ذلك:
1) تعد مسئولية مجلس الأمن عن حفظ السلم والأمن الدولي مسئولية رئيسية إلا أنها ليست مسئولية مانعة لمسئولية الجمعية العامة في هذا المجال ، ومن ثم يكون للجمعية العامة ضمنياً السلطات التي تمكنها من القيام بهذه المسئولية حينما يصبح المجلس عاجزاً عن القيام بالعمل السريع والفعال .
2) لا تتجاوز سلطة الجمعية العامة في ظل قرار الاتحاد لأجل السلم إصدار التوصيات للدول الأعضاء بالمساهمة بقواتها لإنشاء قوة الأمم المتحدة ولا تستطيع أن تصدر قراراً بهذا الشأن .
3) يعد إنشاء قوة الأمم المتحدة وفقاً لقرار الاتحاد من أجل السلم متفقاً مع سلطات الجمعية وفقاً للمادة 11/1 من الميثاق ، كما نجد تدعيماً أقوى في مقدمة الميثاق وفي نص المادة 2/5 من الميثاق .
وتجدر الإشارة إلى أن الشرط الأساسي لتطبيق قرار الاتحاد لأجل السلم أن يكون هناك تهديد للسلم أو إخلال به أو أي عمل من أعمال العدوان ، وفشل مجلس الأمن في القيام بمسئولياته التي يفرضها عليه الميثاق في مثل تلك الطروف نظراً لاستخدام حق الفيتو من قبل الدول الخمس الكبرى ، كما أنه يشترط لتطبيق قرار الاتحاد لأجل السلم أن يصدر بأغلبية ثلثي الحاضرين المشتركين في التصويت ، وذلك تطبيقاً لنص المادة 18/2 من الميثاق التي تطلبت هذه الأغلبية بالنسبة للتوصيات الخاصة بحفظ السلم والأمن الدولي .
دور الأمين العام للأمم المتحدة في إنشاء قوات دولية
استندت بعض الآراء إلى نصوص الميثاق بأن الأمين العام للأمم المتحدة له سلطة إنشاء قوات دولية وفقاً لتلك النصوص ، وهو ما نوضحه فيما يلي:
1) المادة 97 من الميثاق : وفقاً لتلك الآراء ، واستناداً إلى هذه المادة فإن الأمين العام للأمم المتحدة ، بحكم منصبه الإداري في المنظمة هو الذي يقرر ما إذا كانت المنظمة في حاجة إلى إنشاء قوة دولية لتحقيق هدف معين أو إنشائها على أساس دائم ، ولم تضع المادة 97 حدوداً على سلطة الأمين العام في عدد الأفراد الذين تحتاجهم المنظمة والذي يمكن استخدامهم لأداء مهام محددة في إطار الأمانة العامة للمنظمة ، وفي حالة استخدام هذه القوة لتأدية مهم أكثر خطورة ، فإنه يشترط في هذه الحالة أن يكون هناك تفويض بذلك من مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى الأمين العام بشأن تلك المهام .
وتتفق هذه الآراء بشأن سلطة الأمين العام لإنشاء قوات دولية على أمرين :
الأول : تتكون القوات في هذه الحالة عن طريق التجنيد المباشر بواسطة أمانة المنظمة ودون اللجوء إلى الدول الأعضاء لطلب مساهمتها في إنشاء تلك القوات .
الثاني : أن الجمعية العامة بما لها من سلطة بشأن ميزانية ونفقات الأمانة العامة ، تجعل الأمين العام لا يستطيع الإقدام على إنشاء تلك القوات دون الرجوع .
2) المادة 98 من الميثاق : وفقاً لأحكام هذه المادة فإن على الأمين العام للأمم المتحدة القيام بالمهام التي يكلف بها من قبل الأجهزة الرئيسية الأخرى في المنظمة .
ومن ثم ، فإن الأمين العام يمكن أن يكلف الجمعية العامة أو مجلس الأمن بإنشاء قوات دولية ، ويعد هذا بمثابة تفويض للسلطات التي تملكها الجمعية العامة أو المجلس ف هذا الشأن إلى الأمين العام .
وبالإضافة إلى المادتين 97 ، 98 من الميثاق ، فقد أصدرت الجمعية العامة في 13 فبراير سنة 1946 قراراها رقم 13/1 حيث كلفت الأمين العام بإنشاء تنظيم إداري يمكن أن يسمح له بالتنفيذ الفعال لمسئولياته العامة والإدارية وفقاً للميثاق ، والتنفيذ الفعال لتلك الوظائف والخدمات يعد أمراً هاماً لمقابلة احتياجات الأجهزة المتعددة للأمم المتحدة .
ويرى البعض أن هذا القرار منح الأمين العام سلطة واسعة في إنشاء قوات دولية وأن مفعوله ما يزال سارياً حتى الأن ، ويمكن القول بصفة عامة أن سلطة الأمين العام في مجال إنشاء قوات دولية يجب النظر إليها باعتبارها سلطة قائمة على التفويض سواء من الجمعية العامة أو من مجلس الأمن ، ونخص مما سبق إلى النتائج التالية :
1) أن مجلس الأمن هو الجهاز الرئيسي للأمم المتحدة المختص بحفظ السلم والأمن الدولي وفقاً لنصوص الميثاق .
2) إذا كان مجلس الأمن هو الجهاز المسئول عن حفظ السلم والأمن الدولي ، إلا أن هذه المسئولية ليست مقصورة عليه ، وإنما يجوز لبعض الأجهزة الرئيسية الأخرى في المنظمة أن يكون لها دور في المسائل المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي ، كما أكدت ذلك أيضاً محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الخاص بنفقات الأمم المتحدة .
3) تعد الجمعية العامة للأمم المتحدة من أهم الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة التي تختص بالنظر في المسائل المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي لسببين :
الأول : لأنها الجهاز صاحب الاختصاص العام في كل المسائل المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة ، ثانياً : بحكم السلطات التي منحها الميثاق للجمعية العامة وكذلك السلطات التي منحها للأمين العام في إطار حفظ السلم والأمن الدولي .
4) إن السلطات التي منحت للجمعية العامة في مجال حفظ السلم والأمن الدولي فإنها تصدر في شكل توصيات غير ملزمة للدول الأعضاء .
5) يعد مجلس الأمن الجهاز المختص باتخاذ التدابير المختلفة وفقاً لأحكام الفصل السابع من الميثاق دون مشاركة الأجهزة الأخرة له في هذا الاختصاص .
6) في حالة فشل مجلس الأمن في اتخاذ تدابير عسكرية قمعية نتيجة لاستخدام إحدى الدول الخمس الكبرى حق الفيتو ، وطلب عقد الجمعية العامة وفقاً لقرار الاتحاد لأجل السلم لإصدار التوصيات اللازمة للدول الأعضاء باتخاذ التدابير الجماعية والتي تشمل استعمال القوة المسلحة للمحافظة على السلم والأمن الدولي ، وفي هذه الحالة فإن توصيات الجمعية العامة تتضمن إنشاء القوات المسلحة الدولية التي ستتولى تنفيذ التدابير العسكرية ، وإن التوصية بإنشاء تلك القوات هي توصيات غير ملزمة للدول الأعضاء .
7) أن القوات التي تنشئها الجمعية العامة وفقاً لقرار الاتحاد لأجل السلم فإنها لا تكلف بمهام تدخل في إطار أعمال القمع بالمعنى الوارد في الفصل السابع من الميثاق ، وإنما تكون مهمتها حفظ السلام في منطقة النزاع أو الفصل بين القوات المتحاربة أو التأكد من احترام القرار الصادر بوقف إطلاق النار .
8) أما بالنسبة لدور الأمين العام في إنشاء قوات دولية للقيام بعمل من أعمال القمع فهو لا يملك هذه السلطة ، وإنما يمكن أن يكلف من قبل مجلس الأمن أو الجمعية العامة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإنشاء تلك القوات ومباشرة مهامها.