ما هو قرار الإحالة للمحاكمة الجنائية؟

ما هو قرار الإحالة للمحاكمة الجنائية؟

فهم أساسيات الإحالة الجنائية في القانون المصري

يعد قرار الإحالة للمحاكمة الجنائية نقطة محورية في مسار أي قضية جنائية، فهو الخطوة التي تنتقل فيها الدعوى من مرحلة التحقيق إلى مرحلة الفصل القضائي. يمثل هذا القرار نهاية لمرحلة جمع الأدلة والتحقيقات الأولية، وبداية لمرحلة مواجهة المتهم بالاتهامات الموجهة إليه أمام القضاء المختص. إن فهم هذا القرار وإجراءاته أمراً بالغ الأهمية لكل من المتهم والمجني عليه والمحامين، حيث يحدد المسار القضائي اللاحق للقضية بشكل حاسم. في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل ماهية قرار الإحالة، الجهة المختصة بإصداره، شروطه، وآثاره القانونية، بالإضافة إلى طرق التعامل معه والإجراءات المتبعة بعد صدوره في ظل القانون المصري.

ما هو قرار الإحالة؟ تعريفه القانوني

المفهوم العام لقرار الإحالة

قرار الإحالة للمحاكمة الجنائية هو أمر يصدر من جهة التحقيق أو الاتهام المختصة، وغالباً ما تكون النيابة العامة، يتضمن إحالة المتهم إلى المحكمة الجنائية المختصة (جنح أو جنايات) لمحاكمته عن الاتهامات الموجهة إليه. هذا القرار يعني أن جهة التحقيق قد وجدت أدلة كافية على ارتكاب الجريمة من قبل المتهم، وأنها ترى ضرورة عرض الأمر على القضاء للفصل فيه بحكم قضائي نهائي.

يعد هذا القرار تتويجاً لمرحلة التحقيق الابتدائي، التي يتم فيها جمع الاستدلالات والأدلة وسماع أقوال الشهود وفحص المستندات وكل ما يتعلق بالواقعة الجنائية. هو بمثابة بيان رسمي من النيابة العامة بأن التحقيقات قد استكملت، وأنها وصلت إلى قناعة مبدئية بوجود جريمة وأن المتهم هو مرتكبها أو شريك فيها، مما يستدعي تدخلاً قضائياً.

التمييز بين قرار الإحالة وقرارات التصرف الأخرى

لا يجب الخلط بين قرار الإحالة وبعض القرارات الأخرى التي تصدرها النيابة العامة في نهاية التحقيق. فهناك مثلاً قرار "الحفظ" الذي يعني عدم وجود جريمة أو عدم كفاية الأدلة لإقامة الدعوى الجنائية، ويتم حفظ الأوراق إدارياً. وهناك قرار "ألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية" الذي يصدر عن النيابة العامة أو قاضي التحقيق في حال عدم كفاية الأدلة أو عدم صحة الواقعة أو سقوط الدعوى بالتقادم، وله حجية تمنع إعادة التحقيق في ذات الواقعة.

على النقيض، قرار الإحالة هو القرار الوحيد الذي يدفع الدعوى الجنائية إلى الأمام نحو المحاكمة. هو يمثل قناعة النيابة العامة أو قاضي التحقيق بأن هناك أسس قوية للمضي قدماً في الإجراءات، وأن الأدلة المتوفرة تستوجب تدخل القضاء للفصل في الاتهام، سواء بالإدانة أو البراءة، بعد محاكمة عادلة تتوافر فيها جميع الضمانات القانونية للمتهم.

الجهات المختصة بإصدار قرار الإحالة

دور النيابة العامة في الإحالة

تعتبر النيابة العامة هي الجهة الأصلية والأكثر شيوعاً في إصدار قرار الإحالة للمحاكمة الجنائية في النظام القضائي المصري. فهي صاحبة الاختصاص الأصيل في تحريك الدعوى الجنائية ومباشرتها. بعد انتهاء التحقيق الذي تجريه النيابة العامة، وبعد أن تتشكل لديها قناعة بوجود أدلة كافية تدين المتهم، فإنها تصدر قرارها بإحالة المتهم إلى المحكمة المختصة. هذا الدور يعكس طبيعة النيابة العامة كجهاز تحقيق واتهام.

تقوم النيابة العامة بتقييم شامل للأدلة والتحقيقات التي أجرتها. إذا تبين لها أن هناك جريمة وقعت، وأن هناك متهمين محددين، وأن الأدلة المتوفرة كافية لإسناد الاتهام إليهم، فإنها تقوم بتحرير أمر الإحالة الذي يتضمن وصفاً دقيقاً للتهمة، والمواد القانونية المنطبقة عليها، وأسماء المتهمين، وبياناً موجزاً بالأدلة التي استندت إليها في قرارها. ثم يتم إرسال هذا الملف كاملاً إلى المحكمة المختصة للنظر فيه.

دور قاضي التحقيق (إن وجد)

على الرغم من أن دور قاضي التحقيق المستقل قد تقلص بشكل كبير في النظام القضائي المصري الحديث، حيث أصبحت النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص الأصيل في معظم التحقيقات، إلا أن وجوده لا يزال قائماً في بعض الحالات الاستثنائية أو في أنواع معينة من الجرائم التي يتطلب القانون فيها وجود قاضي تحقيق (مثل جرائم الفساد الكبرى). عندما يتولى قاضي تحقيق التحقيق في قضية، فإنه يصبح هو الجهة المختصة بإصدار قرار الإحالة.

يقوم قاضي التحقيق، بعد اكتمال تحقيقاته وتقديره لمدى كفاية الأدلة، بإصدار أمر الإحالة للمحكمة الجنائية المختصة. يتميز قرار قاضي التحقيق بكونه يتمتع بحجية أقوى من قرار النيابة العامة في بعض الجوانب، ويمكن الطعن فيه أمام محكمة الجنح المستأنفة أو محكمة الجنايات حسب الأحوال. وجود قاضي تحقيق يضيف طبقة إضافية من الضمانات القضائية لشفافية ونزاهة التحقيق قبل وصول القضية إلى مرحلة المحاكمة.

شروط إصدار قرار الإحالة الجنائية

توافر أدلة كافية

الشرط الأساسي لإصدار قرار الإحالة هو توافر أدلة كافية تدعم الاتهام الموجه للمتهم. لا يكفي مجرد الشك أو الاحتمال، بل يجب أن تكون الأدلة قوية ومقنعة بما يكفي لتشكيل قناعة لدى جهة التحقيق بأن الجريمة قد وقعت وأن المتهم هو مرتكبها. هذه الأدلة قد تشمل شهادات الشهود، تقارير الخبراء، المستندات، البصمات، تسجيلات المراقبة، أو أي دليل مادي آخر يربط المتهم بالجريمة. تقدير كفاية الأدلة هو أمر يعود لجهة التحقيق، لكنه يجب أن يكون مبنياً على أسس موضوعية وقانونية.

إن عدم كفاية الأدلة يؤدي إلى صدور قرار بحفظ الأوراق أو "ألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية". لذلك، تعمل النيابة العامة بجد خلال مرحلة التحقيق على جمع أكبر قدر ممكن من الأدلة التي تدعم موقف الاتهام، والتي يمكن أن تصمد أمام الفحص والتدقيق في مرحلة المحاكمة. يعتبر هذا الشرط حجر الزاوية في حماية الأفراد من الإحالة العشوائية للمحاكمة دون وجود أساس قانوني سليم.

اكتمال التحقيقات

يجب أن تكون التحقيقات قد اكتملت بشكل يسمح لجهة التحقيق بتكوين صورة واضحة وشاملة للواقعة الجنائية وملابساتها والمتهمين بها. يعني ذلك أنه تم استجواب المتهمين، وسماع أقوال الشهود الرئيسيين، وجمع كافة المستندات والأدلة اللازمة، وإجراء المعاينات والخبرات الفنية المطلوبة. إذا كانت هناك جوانب غامضة أو ناقصة في التحقيقات، فإن ذلك قد يؤثر على صحة قرار الإحالة ويجعله عرضة للطعن أو الإلغاء.

اكتمال التحقيقات لا يعني بالضرورة استنفاد كل الاحتمالات، ولكنه يعني أن جهة التحقيق قد بذلت جهداً معقولاً وشاملاً لجمع المعلومات الضرورية قبل اتخاذ قرار مصيري مثل قرار الإحالة. هذا يضمن أن القرار مبني على أساس متين من المعلومات والوقائع، وليس على افتراضات أو معلومات مجزأة، مما يحمي حقوق المتهم ويضمن تحقيق العدالة بشكل فعال.

الولاية القضائية والاختصاص

يجب أن تكون الجهة التي تصدر قرار الإحالة والمحكمة المحال إليها القضية ذات ولاية قضائية واختصاص نوعي ومحلي للنظر في الجريمة. فكل محكمة لها حدود اختصاصها، سواء من حيث نوع الجريمة (جنحة أم جناية) أو مكان وقوعها. على سبيل المثال، لا يجوز إحالة جناية إلى محكمة جنح، ولا يجوز إحالة قضية وقعت في محافظة معينة إلى محكمة في محافظة أخرى لا تقع ضمن اختصاصها المكاني، إلا في حالات استثنائية يحددها القانون.

التحقق من الولاية القضائية والاختصاص هو شرط إجرائي جوهري لضمان صحة قرار الإحالة وصحة الإجراءات اللاحقة. فإذا صدر قرار الإحالة من جهة غير مختصة أو أحيلت القضية إلى محكمة غير مختصة، فإن ذلك يجعل القرار باطلاً ويمكن الدفع به أمام المحكمة، مما يؤدي إلى إلغاء قرار الإحالة وإعادة الإجراءات أو حتى إنهاء الدعوى في بعض الحالات. الالتزام بهذه الشروط يضمن سلامة الإجراءات القضائية.

أنواع الإحالة والجهة المحال إليها

الإحالة إلى محكمة الجنح

تختص محكمة الجنح بالنظر في الجرائم التي تصنف كجنح في القانون المصري، وهي الجرائم التي يعاقب عليها بالحبس أو الغرامة التي تزيد عن حد معين أو كلاهما، ويكون الحد الأقصى للعقوبة أقل من ثلاث سنوات حبس. تصدر النيابة العامة قرار الإحالة إلى محكمة الجنح مباشرة في معظم الأحيان، بعد الانتهاء من التحقيقات الأولية وجمع الأدلة. هذه المحاكم عادة ما تكون أسرع في الفصل في القضايا نظراً لطبيعة الجنح الأقل جسامة مقارنة بالجنايات.

عندما ترى النيابة العامة أن الوقائع تشكل جنحة وأن الأدلة كافية لإدانة المتهم، فإنها تصدر أمراً بإحالة المتهم إلى محكمة الجنح الكلية أو الجزئية المختصة مكانياً. ويتم تحديد جلسة للنظر في القضية ويخطر المتهم ومحاميه بهذا الموعد. وتجري المحاكمة أمام قاضٍ فرد غالباً، وتكون الإجراءات أبسط نسبياً مقارنة بإجراءات محكمة الجنايات.

الإحالة إلى محكمة الجنايات

تختص محكمة الجنايات بالنظر في أخطر أنواع الجرائم، وهي الجنايات، التي يعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد أو السجن. تكون إجراءات التحقيق في الجنايات أكثر تعقيداً وشمولية، وقد تتطلب تدخل قاضي تحقيق في بعض الحالات، أو تكون تحت إشراف النيابة العامة مباشرة. بعد اكتمال التحقيقات وتقدير النيابة العامة لكفاية الأدلة، يتم إصدار قرار الإحالة إلى محكمة الجنايات.

قرار الإحالة إلى محكمة الجنايات يكون عادة بصيغة "أمر إحالة" أو "قرار اتهام" ويتضمن تفصيلاً دقيقاً للتهم الموجهة لكل متهم والمواد القانونية التي تنطبق عليها. تُحال القضية بعد ذلك إلى المحكمة التي تتكون من ثلاثة قضاة على الأقل، وتكون إجراءات المحاكمة أكثر تفصيلاً وضمانة لحقوق الدفاع، نظراً لخطورة العقوبات المحتملة. يستغرق الفصل في قضايا الجنايات وقتاً أطول عادة مقارنة بالجنح.

الإحالة إلى محكمة الأحداث (إن لزم الأمر)

في حال كان المتهم حدثاً (أي لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره وقت ارتكاب الجريمة)، فإن قرار الإحالة يوجه إلى محكمة الأحداث، بصرف النظر عن نوع الجريمة (جنحة أو جناية). تختلف محاكم الأحداث عن المحاكم الجنائية العادية في طبيعة الإجراءات والأحكام التي تصدرها، حيث يكون الهدف الأساسي هو إصلاح الحدث وإعادة تأهيله بدلاً من مجرد معاقبته.

الإجراءات أمام محكمة الأحداث تكون سرية في غالب الأحيان، وتُراعى فيها مصلحة الحدث الفضلى. يتم التركيز على الظروف الاجتماعية والنفسية للحدث، وقد تصدر المحكمة تدابير إصلاحية بدلاً من العقوبات الجنائية التقليدية. قرار الإحالة إلى محكمة الأحداث يأخذ في الاعتبار سن المتهم وقت ارتكاب الفعل، وهو ما يعتبر مبدأً أساسياً في العدالة الجنائية الخاصة بالأحداث.

الإجراءات المتبعة بعد صدور قرار الإحالة

إعلان المتهم بقرار الإحالة

بعد صدور قرار الإحالة، أول خطوة عملية هي إعلان المتهم بهذا القرار. يتم ذلك عادة عن طريق المحضرين، الذين يقومون بتبليغ المتهم بصورة من قرار الإحالة وبتاريخ الجلسة المحددة لنظر قضيته أمام المحكمة المختصة. هذا الإعلان يمثل ضمانة أساسية لحق المتهم في العلم بالتهم الموجهة إليه وبالإجراءات القضائية التي ستتخذ ضده، مما يتيح له الوقت الكافي لإعداد دفاعه.

يجب أن يتم الإعلان بشكل صحيح وقانوني، وفي المواعيد التي يحددها القانون، لضمان صحة الإجراءات. في حالة عدم إعلان المتهم بشكل صحيح، قد يؤدي ذلك إلى بطلان الإجراءات اللاحقة أمام المحكمة. يحرص الدفاع على التأكد من صحة هذا الإعلان كجزء من متابعة الإجراءات القانونية لضمان حقوق موكله.

تجهيز ملف الدعوى للمحكمة

بعد صدور قرار الإحالة، تقوم النيابة العامة بتجهيز ملف الدعوى كاملاً، والذي يتضمن جميع أوراق التحقيق، ومحاضر جمع الاستدلالات، وأقوال الشهود، وتقارير الخبراء، وجميع الأدلة التي تم جمعها خلال مرحلة التحقيق. يتم إرسال هذا الملف إلى المحكمة المختصة. يمثل هذا الملف الأساس الذي ستنظر عليه المحكمة في القضية، وستبني عليه قناعتها في إدانة المتهم أو براءته.

كما يتضمن الملف قائمة بأسماء الشهود الذين ستستدعيهم النيابة العامة للشهادة أمام المحكمة. يتم فهرسة الملف وتنظيمه بشكل يسهل على هيئة المحكمة مراجعته ودراسته قبل وأثناء الجلسات. هذه الخطوة حاسمة لضمان أن المحكمة لديها كل المعلومات اللازمة للفصل في القضية بشكل مستنير وعادل، وهي مسؤولية تقع على عاتق النيابة العامة.

حقوق المتهم بعد الإحالة

بعد الإحالة، تظل للمتهم مجموعة من الحقوق الأساسية التي يجب أن تصان. من أهم هذه الحقوق، حقه في الاستعانة بمحام للدفاع عنه، وحقه في الاطلاع على ملف الدعوى والأوراق والمستندات المقدمة ضده، وذلك لإعداد دفاعه بشكل فعال. كما يحق للمتهم تقديم طلبات معينة للمحكمة، مثل طلب الإفراج المؤقت بكفالة، أو طلب استدعاء شهود جدد، أو إجراء خبرات إضافية.

يجب أن تضمن المحكمة للمتهم حقه في محاكمة عادلة وعلنية (ما لم يكن هناك مبرر قانوني للسرية)، وأن يتمتع بكافة ضمانات الدفاع المقررة قانوناً ودستوراً. هذه الحقوق تهدف إلى تحقيق التوازن بين حق المجتمع في معاقبة المجرمين وحق الأفراد في الحصول على محاكمة عادلة تضمن لهم فرصة كافية للدفاع عن أنفسهم ضد الاتهامات الموجهة إليهم.

طرق الطعن في قرار الإحالة (بشكل غير مباشر)

طلب إعادة التحقيق أو استكمال النواقص

في بعض الحالات، قد يرى دفاع المتهم أن قرار الإحالة قد صدر دون استكمال كافة التحقيقات الضرورية، أو أن هناك جوانب تحتاج إلى مزيد من البحث والتدقيق. في هذه الحالة، يمكن للمحامي أن يتقدم بطلب إلى المحكمة المحال إليها القضية أو إلى النيابة العامة (حسب مرحلة القضية) لإعادة التحقيق أو استكمال بعض النواقص في التحقيقات. هذا الطلب يجب أن يكون مدعوماً بأسباب قانونية ومنطقية مقنعة.

يهدف هذا الإجراء إلى إظهار أن قرار الإحالة قد بني على معلومات غير مكتملة أو تحقيقات قاصرة، مما يستدعي من المحكمة أو النيابة العامة إعادة النظر في الأمر. إذا استجابت المحكمة لهذا الطلب، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة القضية إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيق، وقد يترتب عليه تغيير في وجه الاتهام أو حتى قرار بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية، وذلك في حال تم الكشف عن حقائق جديدة جوهرية.

تقديم مذكرات دفاعية قبل بدء المحاكمة

قبل بدء المحاكمة الفعلية، وخاصة في قضايا الجنايات، يحق للمحامي أن يقدم مذكرات دفاعية مكتوبة إلى المحكمة. هذه المذكرات تتناول الدفوع الشكلية والموضوعية التي يرى الدفاع أنها تؤثر على صحة قرار الإحالة أو على مدى صحة الأدلة المقدمة. يمكن أن تشمل الدفوع الشكلية الدفع ببطلان إجراءات التحقيق أو عدم اختصاص النيابة العامة أو المحكمة، بينما تتناول الدفوع الموضوعية جوهر الاتهام والأدلة المقدمة.

تهدف هذه المذكرات إلى تزويد المحكمة بوجهة نظر الدفاع بشكل مبكر وشامل، وتسليط الضوء على نقاط الضعف في الاتهام قبل بدء جلسات المرافعة. قد يؤدي ذلك إلى تكوين قناعة لدى المحكمة بأن قرار الإحالة قد لا يكون مبنياً على أسس قوية كفاية، مما قد يؤثر على مسار المحاكمة ويفتح الباب أمام البراءة أو تخفيف العقوبة، بناءً على قوة الحجج القانونية المقدمة.

التأثير على قرار المحكمة أثناء المحاكمة

الطعن المباشر على قرار الإحالة نفسه غالباً ما يكون محدوداً، لكن المحامي يمكنه التأثير على مسار القضية والنتيجة النهائية من خلال دفاعه القوي أمام المحكمة. يتم ذلك بتقديم دفوع موضوعية وشكلية خلال جلسات المحاكمة، ومناقشة شهود الإثبات، وتقديم شهود النفي، وعرض الأدلة التي تدعم براءة المتهم أو تقلل من مسؤوليته. هدف الدفاع هو إقناع المحكمة بأن الأدلة المقدمة من النيابة العامة غير كافية أو غير صحيحة لإدانة المتهم، أو أن هناك شكاً معقولاً حول ارتكابه الجريمة.

يعمل المحامي على تفنيد كل دليل قدمته النيابة العامة، وإبراز التناقضات، وتقديم تفسيرات بديلة للوقائع، والتشكيك في صحة الإجراءات التي تمت. هذا التأثير غير المباشر على قرار الإحالة يتم من خلال إقناع المحكمة بعدم كفاية الأدلة التي استندت إليها جهة التحقيق في قرارها، مما يؤدي في النهاية إلى صدور حكم بالبراءة أو حكم مخفف، وبالتالي تفريغ قرار الإحالة من مضمونه بالإدانة.

نصائح وإرشادات للتعامل مع قرار الإحالة

استشارة محامٍ متخصص فوراً

بمجرد علمك بصدور قرار الإحالة، فإن الخطوة الأكثر أهمية هي استشارة محامٍ متخصص في القضايا الجنائية فوراً. المحامي المتخصص لديه الخبرة والمعرفة القانونية اللازمة لفهم تفاصيل القضية، وتقييم الأدلة، وتحديد أفضل استراتيجية دفاعية. لا تحاول التعامل مع الموقف بمفردك، فالمسائل القانونية معقدة وتتطلب خبرة مهنية. المحامي سيقدم لك المشورة القانونية السليمة، وسيوضح لك كافة حقوقك وواجباتك، وسيساعدك في اتخاذ القرارات الصحيحة.

المحامي سيقوم بدارسة ملف القضية كاملاً، وسيبحث عن أي ثغرات إجرائية أو ضعف في الأدلة المقدمة ضدك. كما سيقوم بتحضير الدفوع القانونية المناسبة، وسيمثلك أمام المحكمة، وسيسعى جاهداً للدفاع عن حقوقك وتحقيق أفضل نتيجة ممكنة لك. كلما أسرعت في استشارة المحامي، كلما كان لديه وقت أطول لإعداد دفاع قوي وشامل.

جمع وتجهيز الأدلة الدفاعية

بالتعاون مع محاميك، ابدأ في جمع وتجهيز أي أدلة قد تدعم موقفك وتدحض الاتهامات الموجهة إليك. قد تكون هذه الأدلة عبارة عن مستندات، رسائل نصية، صور، فيديوهات، أو شهادات شهود يمكن أن يقدموا رواية مختلفة للواقعة أو يؤكدوا على براءتك. أي دليل يمكن أن يثبت عدم ارتكابك للجريمة أو يقلل من مسؤوليتك هو أمر بالغ الأهمية.

حتى لو كانت الأدلة بسيطة في نظرك، يجب عليك عرضها على محاميك ليقوم بتقييمها وتحديد مدى فائدتها في سير القضية. قد يطلب منك المحامي توفير معلومات معينة أو الاتصال بأشخاص معينين للحصول على شهاداتهم. كلما كانت الأدلة الدفاعية قوية ومنظمة، كلما زادت فرص نجاح دفاعك في إثبات براءتك أو التخفيف من حدة الاتهامات.

فهم التهم الموجهة إليك

من الضروري أن تفهم بشكل كامل ودقيق التهم الموجهة إليك، والمواد القانونية التي استندت إليها النيابة العامة في قرار الإحالة. هذا الفهم سيساعدك على التعاون بفعالية مع محاميك، وعلى معرفة ما تواجهه في المحكمة. اطلب من محاميك أن يشرح لك كل تفاصيل التهمة، وما هي العقوبة المحتملة لكل تهمة، وما هي الأدلة التي تعتمد عليها النيابة العامة.

معرفتك بالتهم الموجهة إليك تمكنك من التركيز على النقاط التي تحتاج إلى تفنيد أو تفسير، وتساعدك في تذكر تفاصيل قد تكون مهمة للدفاع. لا تتردد في طرح الأسئلة على محاميك حتى تتضح لك الصورة كاملة. الفهم الجيد لوضعك القانوني هو أول خطوة نحو الدفاع الفعال عن نفسك.

التعاون مع الدفاع القانوني

حافظ على تواصل فعال وصريح مع محاميك. قدم له جميع المعلومات الصادقة والدقيقة المتعلقة بالقضية، حتى لو كانت بعض هذه المعلومات قد تبدو غير مواتية لك. المحامي لا يمكنه أن يدافع عنك بفعالية إذا لم يكن لديه الصورة الكاملة. لا تخفِ أي تفاصيل، فالمحامي ملتزم بالسرية المهنية، ومعرفته بكل التفاصيل ستمكنه من بناء دفاع قوي وتوقع أي مفاجآت قد تظهر أثناء المحاكمة.

حضر الاجتماعات مع محاميك بانتظام، واتبع تعليماته بدقة. كن مستعداً للإجابة على الأسئلة التي يطرحها عليك، وقدم له أي مستندات أو معلومات إضافية يطلبها. تذكر أن محاميك يعمل لمصلحتك، وأن التعاون الكامل معه هو مفتاح لضمان أفضل نتيجة ممكنة لقضيتك. إن الثقة المتبادلة والعمل كفريق واحد بينك وبين محاميك أمر حيوي في مواجهة قرار الإحالة والمحاكمة.

إرسال تعليق

إرسال تعليق