القانون المصري شروط الحبس الاحتياطي
شروط الحبس الاحتياطي

ما هو الحبس الاحتياطي

الحبس هو: سلب حرية شخص متهم بارتكاب جريمة فترة من الزمن بإيداعه أحد السجون لحين إتمام تحقيقًا للحرية يجرى معه . 

والأصل فى الحبس باعتباره سلبا أنه عقوبة وبالتالى يجب ألا يوقع إلا بحكم قضائى بعد محاكمة عادلة تتوفر فيها للمتهم ضمانات الدفاع عن نفسه ، وذلك إعمالا لأصل عام من أصول المحاكمات الجنائية ـ بل هو حق من حقوق الإنسان ـ ، هو أن الأصل فى الإنسان البراءة . ومع ذلك أجازه المشرع للمحقق فى التحقيق الابتدائى بصفة احتياطية بمجرد أن يبدأ التحقيق أو أثناء سيره ، فالحبس الاحتياطى إجراء من إجراءات التحقيق ويتعارض مع أصل البراءة المفترض فى الإنسان فهو إجراء بالغ الخطورة يتعين أن يحيطه المشرع بضمانات كبيرة، ويتعين ألا يلجأ إليه المحقق إلا لضرورة ملحة.

وقـد عرفت معظم تشريعات العالم نظام الحبس الاحتياطى مع اختلافات فى تطبيقه.

شروط الحبس الاحتياطى :

يشترط لصدور الأمر بالحبس الاحتياطى توافر عدة شروط :

صدور الأمر بالكتابة

يشترط أن يثبت مصدر الأمر بالحبس الاحتياطى هذا الأمر فى محضره كتابة ويوقع عليه مصدر الأمر، وبالتالى يجب أن يثبت الأمر بالإفراج عن المتهم كتابة أيضًا، وقد أوجبت المادة ١٢٧ من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل أمر الحبس الاحتياطى على اسم المتهم ولقبه وصناعته ومحل إقامته والتهمة المنسوبة إليه ومواد القانون المنطبقة على واقعة وتاريخ صدور الأمر ، وأن يوقع عليه مصدر الأمر سواء كان القاضى أو وكيل النيابة،وأن يوضع ختم المحكمة أو النيابة حسب الأحوال .

صدور الأمر بالحبس الاحتياطى من جهة قضائية

يجب أن يصدر الأمر بالحبس الاحتياطى من سلطة التحقيق ( قاضى التحقيق أو النيابة العامة ) أو سلطة الحكم أى المحكمة . فلا يجوز صدوره من سلطة أدنى كمأمور الضبط القضائى . بل ولا يجوز ندبه لذلك. فإذا كانت سلطة التحقيق هى قاضى التحقيق وجب عليه أن يسمع أقوال النيابة ودفاع المتهم قبل إصدار الأمر ( م١٣٦ إجراءات معدلة بالقانون ١٤٥ لسنة ٢٠٠٦ ) وللنيابة العامة فى أى وقت أن تطلب حبس المتهم احتياطيا (م١٣٧) ولكن ليس للمدعى المدنى ولا المجنى عليه طلب حبس المتهم احتياطيًا (م١٥٢ اجراءات ) ولا تسمع منه أقوال فى المناقشات المتعلقة بالإفراج منه .

الشروط الخاصة بالجريمة التى يصدر بشأنها أمر الحبس إحتياطيًا

لا يجوز صدور الأمر بالحبس الاحتياطى إلا فى الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ( م١٣٤/١ من قانون الإجراءات الجنائية معدلة بالقانون رقم ١٤٥ لسنة ٢٠٠٦ ( والعبرة فى هذه الجنح بالحد الأقصى المنصوص عليه فى القانون للعقوبة التى يجوز للمحكمة توقيعها على مرتكب الجريمة ، فإذا كان من الجائز للقاضى توقيع عقوبة الحبس مدة سنة جاز للمحقق إصدار الأمر بالحبس الاحتياطى ، ويكون هذا الحبس صحيحًا  حتى ولو حكم القاضى بعقوبة أقل من هذا الحد بل ولو حكم بالبراءة ، إذ العبرة بالعقوبة المنصوص عليها فى القانون لا بما يحكم به القاضى .
وعلى ذلك لا يجوز الحبس الاحتياطى فى الجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط أو بالحبس الذى يقل الحد الأقصى له عن سنة ، ولكن يجوز الحبس الاحتياطى فى أية جريمة أخرى معاقب عليها بالحبس ولو بمدة أقل من هذا الحد إذا لم يكن للمتهم محل إقامة ثابت ومعروف فى مصر (م١٣٤/٢ إجراءات جنائية ) تحوطًا لخشية هروب المتهم .
والواقع أن تحديد سنة كحد أقصى للعقوبة ، لجواز الحبس الاحتياطى لا يزال محلا للنقد رغم تقدمه على الحال السابق عليه الذى كان يجيز الحبس الاحتياطى فى الجنح المعاقب عليها بالحبس أكثر من ثلاثة أشهر .
فالحبس الاحتياطى إجراء خطير ، يجب ألا يتم اللجوء إليه إلا فى جرائم على جانب كبير من الأهمية . وقد أدى الوضع الحالى إلى الإسراف فى الحبس الاحتياطى دون مبرر لذلك ، بينما اشترطت بعض التشريعات الأجنبية لجواز الحبس الاحتياطى أن تكون الجريمة الصادر بشأنها الحبس معاقبا عليها بمدد أكبر من ذلك ، مثل التشريع الفرنسى الذى لا يجيز الحبس الاحتياطى إلا فى الجرائم التى يصل الحد الأقصى للعقوبة فيها إلى ثلاث سنوات على الأقل . بل إن قانون تحقيق الجنايات الأهلى المصرى ذاته كان لا يجيز الحبس الاحتياطى إلا إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبًا عليها كحد أقصى بالحبس سنتين على الأقل أو كانت جنحة من الجنح الواردة على سبيل الحصر فى المادة ٣٦ /من هذا القانون.

تسبيب الأمر بالحبس الاحتياطي:

لم يكن المشرع المصرى يلزم سلطة الأمر بالحبس الاحتياطى أن تبين أسبابًا محددة لإصدار أمرها بالحبس الاحتياطى ، وكنا قد انتقدنا هذا الوضع وقد تدخل المشرع مؤخراً بالقانون رقم ١٤٥ لسنة ٢٠٠٦ فحدد أسبابا للحبس الاحتياطى لا يجوز إصدار الأمر بالحبس إلا إذا توافر أحدها.

مبررات الحبس الإحتياطي

فنصت المادة ١٣٤ من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بهذا القانون على أنه "يجوز لقاضى التحقيق ، بعد استجواب المتهم أو فى عليها حالة هربه ، إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبا بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ، والدلائل عليها كافية، أن يصدر أمرًا بحبس المتهم احتياطيًا وذلك إذا توافرت إحدى الحالات أو الدواعى الآتية :
  • إذا كانت الجريمة فى حالة تلبس ، ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره .
  • الخشية من هروب المتهم .
  • خشية الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجنى عليه أو الشهود ، أو بالعبث فى الأدلة أو القرائن المادية ، أو بإجراء اتفاقات مع باقى الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها.
  • توقى الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذى قد يترتب على جسامة الجريمة.
  • ومع ذلك يجوز حبس المتهم احتياطيًا إذا لم يكن له محل إقامة ثابت معروف فى مصر ، وكانت الجريمة جناية أو جنحة معاقبًا عليها بالحبس.
والـواقـع أن هـذه الأسباب ترتكز على أن الحبس الاحتياطى وسيلة تحوطية ضد احتمالات الإضرار بحسن سير التحقيق فهو يسهل على المحقق إجراء التحقيق ، لأنه يمكنه من أن يجد المتهم فى أى وقت كلما احتاج التحقيق إلى مواجهته بشىء أو بشهود أو اطلاعه على شىء .
ولذلك لا يجوز أن يكون من أسباب الحبس الاحتياطى مجرد جسامة الجريمة المنسوب ارتكابها للمتهم .
وقد قيل إن قاعدة أن الأصل فى الإنسان البراءة تجد أقصى تطبيق لها فى مرحلة المحاكمة؛ حيث يفسر الشك لمصلحة المتهم ، أما فى مرحلة التحقيق الابتدائى فإن الشك يفسر ضده.
هذا بالإضافة إلى أن الحبس الاحتياطى يتيح الفرصة لتحقيق عادل إذ قد يكون للمتهم تأثير على حسن سير التحقيق سواء بإرهابه للشهود أو بمحاولة التدخل فى تقارير الخبراء أو غيرها.
ومن جهة أخرى ، فإن الحبس الاحتياطى فيه حماية للمتهم من الاعتداء عليه من خصومه، وفيه إرضاء لنفسية المجنى عليه ، بل والمجتمع كله الساخط على مرتكب الجريمة .
ولكن الحبس الاحتياطى قد يكون فيه ما يحول دون تحقيق دفاع المتهم كاملاً خاصة فى قضايا الأموال ، إذ قد يمكنه ـ دون غيره ـ لو كان طليقًا، أن يقدم للمحقق المستندات التى تنير الطريق له ، ً فضلا عما يصيبه من أضرار مادية وأدبية ، لذلك ، يجب على المحقق ألا يلجأ للحبس الاحتياطى إلا لضرورة، باعتباره ً استثناء على أصل البراءة المفترض فى كل إنسان والمنصوص عليه فى الدستور .
فيجب على المحقق قبل إصداره أمره بالحبس الاحتياطى أن يستوثق من توافر سبب من أسبابه وبانتهاء التحقيق الابتدائى ، تنتفى أسباب الحبس الاحتياطى الأساسية .

وجود أدلة ضد المتهم

من شروط سلامة الأمر بالحبس الاحتياطى أن تكون أمام المحقق فى التحقيق أدلة كافية على نسبة الجريمة إلـى المتهم سـواء بوصفه فاعلا أصليا أو شريكا (م١٣٤أ.ج) وقد استعمل المشرع كلمة الدلائل الكافية دون إفصاح عن مقصده منها ، بمعنى هل تكفى الشبهات أو الدلائل أم يجب أن تكون هناك أدلة قوية على نسبة الجريمة إلى المتهم .
الواقع أن التعرض لحريات الناس بالحبس أمر فى غاية الخطورة ، لذلك يجب أن تكون هناك أدلة بالفعل يقدر المحقق أنها لو رفعت للمحكمة فسوف تعتمد عليها فى الحكم بإدانة المتهم ، أما الشبهات والدلائل فلا تكفى للحكم بالإدانة، ولذلك فما لم تكن هناك أدلة واضحة فلا يجوز للمحقق إصدار أمره بالحبس الاحتياطى ، وسندنا فى ذلك ، أنه إذا كان الحبس فى أصله عقوبة لا تصدر إلا بحكم قضائى ، وكان هذا الحكم لا يصدر إلا بناء على أدلة يقينية ، فإن الحبس الاحتياطى هو حبس أجيز استثناء بغير حكم ولكن بقرار من المحقق فلا أقل أن يكون مستندا فى نظر هذا المحقق على أدلة واضحة ، فإن لم يكن الأمر كذلك ، فلا ضير من تقديم المتهم إلى المحاكمة وهو مفرج عنه ، لتقضى المحكمة فى شأنه بما تشاء.

ضرورة استجواب المتهم

نصت المادة ١٣٤ من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم ١٤٥ لسنة ٢٠٠٦ على أنه "يجوز لقاضى التحقيق ، بعد استجواب المتهم  أو فى حالة هربه إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبًا عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ، والدلائل عليها كافية أن يصدر أمرًا بحبس المتهم احتياطيا".
فطبقاً لهذا النص لا يجوز صدور الأمر بالحبس الاحتياطى إلا بعد استجواب المتهم ما لم يكن هاربًا ذلك أن استجواب المتهم قد يتيح له الفرصة لتفنيد الأدلة القائمة ضده ، فلا يرى المحقق مبررًا لحبسه احتياطيا عقب استجوابه مباشرة ، بل يجوز ذلك فى أى وقت بعد استجوابه .
ولا يشترط استجواب المتهم إذا كانت المحكمة هى التى أصدرت أمر الحبس الاحتياطى، ولكن لا يشترط أن يتم حبس المتهم إذ من المقرر أنه ليس للمحكمة أن تستجوب المتهم إلا إذا قبل ذلك ( م٢٧٤/١ إجراءات جنائية ).
  • المقال

  • الكاتب:

    الدكتور مينا فايق
  • تصنيف:

    القانون المصري المحاضرات قانون الإجراءات الجنائية