المقصود بالالتزام بأداء الشهادة وما هي تطبيقاته وجزاء الإخلال به والاستثناءات الواردة عليه في النظم الإجرائية الوضعية

القانون الجنائي المقصود بالالتزام بأداء الشهادة وما هي تطبيقاته وجزاء الإخلال به والاستثناءات الواردة عليه في النظم الإجرائية الوضعية
المقصود بالالتزام بأداء الشهادة وما هي تطبيقاته وجزاء الإخلال به والاستثناءات الواردة عليه في النظم الإجرائية الوضعية

المقصود بالالتزام بأداء الشهادة

المقصود بالالتزام بأداء الشهادة ، وما هي تطبيقاته وجزاء الإخلال به ، والاستثناءات الواردة عليه في النظم الإجرائية الوضعية

تعريفنا للشهادة : ونحن من جانبنا نعرف الشهادة التي يعول عليها بوصفها دليلاً قائماً بذاته ، بأنها : التعبير الصادق الذي يصدر في مجلس القضاء من شخص يقبل قوله بعد أداء اليمين في شأن واقعة عاينها بحاسة من حواسه . 

الالتزام بأداء الشهادة يعتبر واجباً أخلاقياً يوجب على كل إنسان أن يتقدم إلي مجلس القضاء ليدلي بمعلوماته منى علم بالواقعة ليساعد المجتمع على كشف الحقيقة ، وذلك انطلاقاً من وحي ضميره ، كذلك فإنه يعتبر من أهم الالتزامات القانونية التي تحرص النظم الإجرائية المختلفة على النص عليها ، بل وتفرض جزاءات جنائية في حالة عدم الوفاء بها . 

وسوف نقتصر في دراستنا على مبدأ الالتزام بتأدية الشهادة في النطاق القانوني فقط ، دون أن نتعرض للأحكام الخاصة بهذا الالتزام من الناحية الأخلاقية لخروج ذلك من نطاق بحثنا . 

أولاً : مفهوم المبدأ

الالتزام القانوني بتأدية الشهادة في المواد الجنائية يعني أن يقوم المحقق باستدعاء الشاهد الذي يرى أن لأقواله جدوى في إظهار الحقيقة ، وعلى من يتم استدعائه الالتزام بالحضور ، وإلا تعرض لتوقيع جزاءات جنائية عليه . 

تطبيقات هذا المفهوم في النظم الإجرائية المختلفة وجزاء الإخلال به

  • في القانون الفرنسي :

في مرحلة التحقيق الابتدائي : 

المبدأ في مرحلة جمع الاستدلالات أن مأموري الضبط القضائي لا يملكون سلطة إجبار الشاهد على الحضور لتأدية الشهادة ، ولذلك فإنهم إذا طلبوا شخصاً معيناً فلا يكون ذلك إلا مجرد دعوة بسيطة للحضور ، غير أنه في حالات التلبس بالنسبة للجنح والجنايات فإن لمأمور الضبط القضائي أن يمنع أي شخص من مبارحة مكان الجريمة قبل الانتهاء من تحرير المحضر ومن يخالف ذلك يتعرض لعقوبة لا تزيد عن الحبس لمدة عشرة أيام أو غرامة لا تزيد عن 600 فرنك .

وفي الحالة الثانية الإنابة القضائية ، فلمأمور الضبط القضائي المنتدب أن يستدعي الشهود الذين عليهم واجب الحضور وتأدية الشهادة ، وإذا لم يمتثلوا أمامه يحرر محضراً بذلك ويعرضه على القاضي الذي انتدبه . 

وللقاضي الالتجاء إلى وسائل الإكراه أو الجزاءات المنصوص عليها في المادة 109/332 أ.ح وفي حالة حضور الشهود ورفضهم تأدية اليمين أو الإدلاء بأقوالهم يحرر ضابط مأمور الضبط القضائي محضراً بذلك ويعرضه على القاضي الذي انتدبه حتى تتخذ ضدهم الإجراءات كما لو تم هذا أمامه . 

وبالنسبة لقاضي التحقيق ، إنه إذا تم تكليف الشاهد بالحضور وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية الفرنسي ، وفي المادة 101 منه ، فعليه الالتزام بما كُلف والإجابة علي ما يوجه إليه ، ويعفى من أداء الشهادة فحسب دون حضور الأشخاص الملتزمين بسر المهنة على النحو الذي سنراه فيما بعد ، وقد نص القانون علي أن الشاهد الذي يتغيب دون عذر قانوني ، يمكن إحضاره عن طريق القوة الجبرية ( مادة 11 أ.ج ) ولقضاة التحقيق الذين يمثل أمامهم الحق في الحكم عليه بغرامة من 400 إلي 1000 فرنك ( مادة 109/12 ج) . 

أما إذا استحال على الشاهد الحضور بسبب مرضه فإن على قاضي التحقيق أن ينتقل إليه لسماع الشهادة بنفسه أو ينيب غيره لذلك طبقاً لنس المادتين 112 ، 151 من قانون الإجراءات الجنائية أن شهادته ضرورية أن تؤجل الدعوى إلى الموسم القادم بالنسبة لمحكمة الجنايات أو إلى جلسة مقبلة في حالة الجنح والمخالفات ، وفي هذه الحالة يتحمل هذا الشاهد – الذي كان سبباً في تأخير الدعوى الجنائية – كل مصاريف الاستدعاءات ونفقات سفر الشهود الأخرين . 

وبالنسبة لحضور رئيس الوزراء والوزراء بوصفهم شهود لا يكون إلا بتصريح كتابي من مجلس الوزراء بناء علي تقرير من وزير العدل ( المادة 652 أ.ج ) فإذا صدرت الموافقة فإن تأدية الشهادة تتم طبقاً للإجراءات العامة العادية ، لكن إذا رفضت فإن تأدية الشهادة حينئذ تتم في محل النقض ( المادة 654 أ.ج ) كما أن حكام الأقاليم ورئيس مجلس الدولة واللواءات في الخدمة ، فهؤلاء يمكنهم أن يتعذروا عن الحضور مستندين في ذلك إلي مقتضيات وظائفهم . 

وختاماً ، فإن القانون الفرنسي لا يحرم عدم التقدم للإدلاء بالشهادة إلا في حالات خاصة ، فيعاقب جنائياً الشخص الذي لديه معلومات عن ارتكاب جريمة ، أو شروع في جريمة أو اتفاق جنائي لارتكاب جريمة ، ثم لا يقوم بإبلاغ الجهات الإدارية أو القضائية عنها ( م 62أ.ج ) كما يعاقب أيضاً ذلك الذي لديه معلومات عن أسباب براءة شخص متهم ، أو محكوم عليه في جناية أو جنحة ، ولا يتقدم بالشهادة إلي الجهات المختصة (م 163 أ.ج ).

  • في القانون المصري : 

1) في مرحلة التحقيق الابتدائي : 

إن نصوص المواد من 31 إلي 33 من قانون الإجراءات الجنائية المصري والخاصة بالتلبس  بالجريمة ، تخول مأمور الضبط القضائي في حالة انتقاله أن يمنع الحاضرين من مبارحة محل الواقعة أو الابتعاد عنه ، وأن يستحضر في الحال من يمكن الحصول منه علي إيضاحات بخصوص الواقعة ، وتتسم هذه الإجراءات بطابع الإكراه ، وذلك لأنه في حالة ما إذا خالف أحد الحاضرين أمر مأمور الضبط أو امتنع أحد ممن دعاهم عن الحضور يذكر ذلك في المحضر ، ويحكم على المخالف بغرامة لا تزيد عن ثلاثين جنيهاً ، ويكون الحكم بذلك من المحكمة الجزئية بناء علي المحضر الذي يحرره مأمور الضبط القضائي . 

وفي حالة ندب مأمور الضبط القضائي للتحقيق الابتدائي يكون له جميع سلطات التحقيق فيما يتعلق بالإجراء الذي ندب له يكون لهذا الإجراء جميع الخصائص التي يضيفها القانون عليه كما لو كان قد تم بمعرفة سلطة التحقيق ذاتها . 

ويكون للمندوب في نطاق ما ندب له سلطة من ندبه ويعد محضره ومحضر تحقيق بشرط إجرائه طبقاً للقانون ، وفي حالة ندبه لسماع أقوال أحد الشهور يصح له سماع شاهد آخر مشرف على الموت أو على وشك مغادرة البلاد متى كان هذا العمل متصلاً بالعمل المندوب له وكان لازماً لكشف الحقيقة مما يخشى معه فوات الوقت ( المادة 71/2 أ.ج) .

وبالنسبة لقاضي التحقيق فقد نصت المادة 116 أ.ج على أنه " يطبق فيما يختص بالشهود أحكام المواد 283 ، 285 ، 286 ، 287 ، 288 ، أ.ج أما فيما يتعلق بالنيابة العامة فقد نصت المادة 208 على أنه " تسري على الشهود في التحقيق الذي تجريه النيابة العامة الأحكام المقررة الجزئي في الجهة التي طلب حضور الشاهد فيها حسب الأحوال المعتادة . 

ويجب على من دعى للحضور أمام سلطة التحقيق الابتدائي لتأدية الشهادة أن يحضر بناءً على الطلب المحرر إليه وإلا جاز للقاضي الحكم عليه بعد سماع أقوال النيابة بدفع غرامة لا تجاوز خمسين جنيهاً ويجوز له أن يصدر أمراً بتكليفه بالحضور ثانياً بمصاريف من طرفه ، أو أن يصدر أمراً بضبطه وإحضاره ( المادة 117 أ.ج ).

لكن إذا كان الشاهد مريضاً أو لديه ما يمنعه من الحضور تسمع شهادته في محل وجوده ، فإذا انتقل القاضي لسماع شهادته وتبين له عدم صحة العذر له أن يحكم عليه بغرامة لا تجاوز مائتي جنيه . 

والغرض أن الشاهد الذي يحضر أمام التحقيق أو القاضي يجب أن يدلي بكل ما يعرفه عن الواقعة ، بحيث أنه إذا حضر وامتنع عن الإجابة أو عن حلف اليمين يحكم عليه القاضي في الجنح والجنايات بعد سماعها أقوال النيابة العامة بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه ، ويجوز إعفاؤه من كل أو بعض العقوبة إذا عدل عن امتناعه قبل انتهاء التحقيق . 

ويرعى في ذلك حالات الإعفاء والامتناع عن الشهادة على النحو الذي سنبينه فيما بعد . 

2) في مرحلة المحاكمة : 

القاعدة هي أن الشهود يتم حضورهم أمام المحكمة بناء على تكليف بالحضور يعلن إليهم بواسطة أحد المحضرين أو رجال الضبط القضائي ، فإذا تخلف الشاهد عن الحضور جاز الحكم عليه بعد سماع أقوال النيابة العامة بدفع غرامة لا تتجاوز عشرة جنيهات في المخالفات ، وثلاثين جنيهاً في الجنح وخمسين جنيهاً في الجنايات ، ويجوز للمحكمة إذا رأت أن شهادته ضرورية أن تؤجل الدعوى لإعادة تكليفه بالحضور ، ولها أن تأمر بالقبض عليه وإحضاره (المادة 279 أ.ج) ، فإذا حضر ج بناء علي تكليفه بالحضور مرة ثانية أو من تلقاء نفسه وأبدى أعذاراً مقبولة جاز إعفاؤه من الغرامة بعد سماع أقوال النيابة العامة (مادة280/1 أ.ج ) .

وإذا تخلف الشاهد أيضاً بعد تكليفه بالحضور للمرة الثانية جاز الحكم عليه بغرامة لا تتجاوز ضعف الحد الأقصى المقرر في المادة السابقة ( مادة 279 أ.ج ) ، وللمحكمة أن تأمر بالقبض عليه وإحضاره في نفس الجلسة أو جلسة أخرى تؤجل إليها الدعوى (مادة 280/2 أ.ج) ، وإذا لم يحضر الشاهد أمام المحكمة حتى صدور الحكم في الدعوى جاز له الطعن في الحكم الصادر ضده بالغرامة بالطرق المعتادة ( مادة 282 أ.ج ) . 

وإذا مثل الشاهد أمام المحكمة وجب عليه أن يدلي بشهادته بعد أداء اليمين فإذا امتنع الشاهد عن أداء اليمين أو عن الإجابة في غير الأحوال التي يجيز له القانون فيها ذلك ، حكم عليه في مواد المخالفات بغرامة لا تزيد على عشرة جنيهات ، وفي مواد الجنح والجنايات بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه وإذا عدل الشاهد عن امتناعه قبل إقفال باب المرافعة يعفى من العقوبة المحكوم بها عليه أو بعضها ( م284 أ.ج ) .

ومن المنطقي إذا كان القانون يمنع الشاهد أحياناً عن الإجابة فإنه لا يعاقب عن امتناعه ، بل أنه لو شهد ما جاز للمحكمة أن تستند إلي أقواله في حكمها لإدانة المتهم بل يوقعه فعله تحت طائلة العقاب ( مادة 310 ع ) .  

  • القانون الإنجليزي : 

من أهم واجبات الشاهد في إنجلترا هي حضوره أمام المحقق أو القاضي لتأدية الشهادة بعد حلف اليمين ، ولكل طرف من أطراف الدعوى الحق في الاستدعاء لسبب خاص ، ويتحمل أطراف الدعوى نفقات ومصاريف انتقال الشاهد بالصورة التي تحددها المحكمة في نهاية المحكمة ، والشاهد الذي لا يحضر أمام القضاء للإدلاء بشهادته يعد مرتكباً لجريمة الازدراء بالمحكمة . 

الاستثناءات التي ترد على مبدأ الالتزام بأداء الشهادة

تمهيد : 

يقع على عاتق الأفراد التزام معاونة العدالة في الوصول إلي الحقيقة تطبيقاً لمبدأ التضامن الاجتماعي ، وهذا الالتزام هو في الوقت ذاته مصدر لالتزامات إيجابية يفرضها المشرع على الفرد الأجنبي عن الدعوى بصفته شاهداً وهو ما يسمى بالتزامات الشهود ، كوجوب حضورهم وتأديتهم للشهادة على النحو الذي بيناه في المطلب السابق . 

لكن ثمة أشخاصاً يلزمهم القانون بعدم أداء الشهادة على وقائع معينة وهو أمناء الاسرار كالأطباء ، والمحامين فيما يتعلق بالمعلومات التي يحصلون عليها بسبب مهنتهم ، وكذلك موظفو الدولة فيما يتعلق بالمعلومات التي وقوفا عليها بحكم وظيفتهم ، والأزواج بالنسبة للمعلومات التي يفضي بها كل منهم للآخر أثناء الزوجية ، كما أن هناك أشخاصاً يجيز القانون لهم الامتناع عن الشهادة لاعتبارات إنسانية ، حيث تربطهم بالمتهم علاقات عاطفية معينة . 

ويتفاوت موقف التشريعات الإجرائية في النظم المختلفة من هذه الاستثناءات :

  • في القانون الفرنسي: 

الأشخاص الممنوعين من أداء الشهادة : من طوائف الممنوعين عن أداء الشهادة موظفي الدولة فيما يتعلق المعلومات التي وقفوا عليها بحكم وظيفتهم سواء كانت مؤقتة أو دائمة ، كذلك فإن تحريم إنشاء الأسرار يمتد نطاقه للمحامي ، وذلك فيما يتعلق بالمعلومات التي استقاها بسبب مهنته ، وعلى ذلك يجب عليه ألا يفشي السر الخاص بعملائه حتى ولو أدى ذلك إلي كشف الحقيقة أمام المحكمة . 

كما يجب على الطبيب أن يمتنع عن تأدية الشهادة بالنسبة لما يشمله سر المهنة ، وإلا حق عليه العقاب بالمادة 378 ع ، حتى ولو كانت شهادته أمام المحكمة مؤيدة لتقرير طبي سبق أن قدمه ، والراجح أن مساعدي الأطباء من ممرضين وتمورجيه يأخذون حكم الأطباء في مفهوم المادة 378ع ، إذا أفشوا سر المريض بشرط أن يكون وصولهم إلي هذا السر بحكم عملهم مع الأطباء . 

ويبقى بعد ذلك أن نتساءل عن حكم الترخيص بإفشاء الأسرار للطوائف سالفة الذكر ، وفي هذا الصدد نجد أن المشرع الفرنسي قد رخص لأفراد هذه الطوائف بإفشاء السر في حالتين : 

وبالإضافة إلي الحالتين السابقتين ، فقد أستقر الفقه والقضاء في فرنسا كذلك على حالة ثالثة تتعلق بجواز أن يصرح صاحب السر لمن أؤتمن عليه بإفشائه عن طريق أداء الشاهدة ، خاصة إذا كان مفتاح البراءة في إفشاء هذه السر . 

الأشخاص الذين يجوز لهم الامتناع عن الشهادة : هم الأشخاص الذين ربطهم بالمتهم علاقة قرابة أو نسب وقد كان قانون تحقيق الجنايات الملغي يستبعد شهادة هؤلاء الأفراد على أساس الاعتبارات الإنسانية ووشائج القرابة والزوجية من أن ينفرط عقدها ، ولكن بصدور قانون الإجراءات الجنائية اتجه المشرع الفرنسي وجهة نظر أخرى ضمنها المادة 335 منه والتي تنص على أن تؤخذ شهادة الأشخاص الذين ورد ذكرهم في هذه المادة بدون حلف اليمين على سبيل الاستدلال سواء كانت الصلة صلة قرابة أم صلة زوجية . 

  • في القانون المصري: 

هناك أشخاصاً يلزمون بعدم أداء الشهادة على وقائع معينة وهم أمناء الأسرار كالأطباء ومساعديهم والمحامين فيما يتعلق بالمعلومات التي يحصلون عليها بسبب مهنتهم ،  وكذلك موظفي الدولة فيما يتعلق بالمعلومات التي وقفوا عليها بحكم وظيفتهم ، أيضاً من الأشخاص الذين يلزمهم القانون بعدم أداء الشهادة الأزواج بالنسبة للمعلومات التي يقتضي بها كل منها للأخر أثناء الزوجية . 

واستثناء من الأصل العام السابق أجاز القانون الترخيص بإفشاء السر عن طريق أداء الشهادة لبعض الطوائف السابقة ، ذلك أن المشرع المصري بعد أن حظر في المادة 66 من قانون الإثبات على أرباب الصناعات والوظائف إفشاء ما يصل إلي علمهم عن طريق صناعاتهم أو وظائفهم ، نقص في الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه " ومع ذلك يجب على الأشخاص المذكورين أن يؤدوا الشهادة عن تلك الواقعة أو المعلومات متى طلب منهم ذلك من أسرها إليهم على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بهم . 

وقد جعل القانون أداء الشهادة واجباً في هذه الحالة ، بمعنى أنه لا يجوز لحامل السر أن يمتنع عندئذ عن الشهادة مادام قد رخص له بذلك من صاحب الشأن ، فإن امتنع حق عليه عقاب الممتنع عن الشهادة . 

وبالإضافة إلي ما تقدم نصت المادة 66/1 من قانون الإثبات على أنه لا يجوز لحامل السر من ورد ذكره فيها أن يفشي الواقعة أو المعلومات التي علم بها عن طريق مهنته أو صنعته ما لم يكن ذكرها له مقصوداً به ارتكاب جناية أو جنحة ، وعلى ذلك فإن من واجب الطبيب مثلاً أن يفشي السر وذلك بأداء الشهادة أمام القضاء ، إذا كان هذا السر الذي أؤتمن عليه يشكل جريمة في صحيح القانون ، وهذا الالتزام لا يقتصر على مجرد الجرائم المزمع ارتكابها ، بل يمتد أيضاً ليشمل كل أنواع الجرائم سواء أكانت ماضية أم حالية أم مستقبلة ، ونفس الشيء بالنسبة للمحامي ، فإن علمه بنية صاحب الشأن وعزمه على ارتكاب جناية أو جنحة يرفع عنه واجب الكتمان ويلزمه القانون بتأدية الشهادة ، وإذا امتنع عن تأديتها توقع عليه عقوبة الممتنع عن تأدية الشهادة وذلك وفقاً لما نصت عليه المادة 13 من القانون رقم 61 لسنة 1968 من أنه " للمحامي أن يمتنع عن أداء الشهادة عن الوقائع والمعلومات التي علم بها عن طريق مهنته إلا إذا كان ذكرها لم يقصد ارتكاب جناية أو جنحة " .

كما أن هناك أشخاصاً يجيز لهم القانون الامتناع عن الشهادة ، ومن ذلك ما نصت عليه 

المادة 286 أ.ج من أنه " يجوز أن يمتنع عن أداء الشهادة ضد المتهم أصوله وفروعه وأقاربه وأصهاره إلي الدرجة الثانية ، وزوجته ولو بعد انقضاء رابطة الزوجية ، وذلك ما لم تكن الجريمة قد وقعت على الشاهد أو أحد أقاربه أو أصهاره الأقربين ، أو إذا كان هو المبلغ عنها ، وإذا لم تكن هناك أدلة إثبات أخرى ، ووفقاً لهذه المادة فإن الشاهد إذا استخدم حقه المخول له في هذ النص وأحجم عن أداء الشهادة ، فلا يجوز الحكم عليه بعقوبة الامتناع عن أدائها ، ومع ذلك فالشاهد بمقدوره أن يتنازل عن حقه هذا الذي وضع أصلاً لصالحه ، ويؤدي الشهادة ضد من ورد ذكرهم بالمادة المذكورة إذا كانوا متهمين في الدعوى .

غير أن هذا الحق يسقط في حالات أربع ، هي : أولاً : إذا كانت الجريمة قد وقعت عليه هو شخصياً ، ثانياً : إذا كان هو المبلغ عنها ، ثالثاً : إذا وقعت على أحد أقاربه أو أصهاره الأقربين ، رابعاً : إذا حلت الدعوى من أدلة إثبات أخرى غير ما يمكن أن يدلي به الشاهد ضد أحد أقاربه المذكورين ، ففي هذه الحالات يجب على الشاهد أداء الشهادة ويحكم عليه بعقوبة المادة 284 من قانون الإجراءات الجنائية في حالة امتناعه . 

وفيما عدا الأشخاص سالفي الذكر ، فإنه لا يجوز للخصوم الاعتراض على سماع شاهد معين أورده بحجة علاقته بخصم أخر ، إنما لهم بيان هذه العلاقة ، وللقاضي وحده حق تقدير أثرها على صدق أقوال الشاهد .  

  • الشريعة العامة: 

يعتبر القانون الإنجليزي من القوانين المتشددة فيما يتعلق بإعطاء بعض الأشخاص حق الامتناع عن أداء الشهادة أو الإعفاء منها ، فهو لا يعطي هذا الحق إلا للأزواج بالنسبة للمعلومات التي يفضي بها أحدهم للأخر أثناء قيام الرابطة الزوجية .

ونفس الحق معترف به للمحامين بالنسبة للمعلومات التي يحصلون عليها بسبب مهنتهم ، كذلك لا يجب إكراه السلط الدبلوماسي على الحضور لتأدية الشهادة، لكن لا يمتد هذا الحق للطبيب أو للمحلل النفسي أو لرجل الدين ، وبالتالي فليس بمقدور أحد من هؤلاء أن يتمسك بسر المهنة من أجل أن يرفض أداء الشهادة ، كذلك فإن هذا الحق لا يمتد إلي الأصول والفروع والأقارب كالأبوين والأطفال والأخوة والأخوات . 

  • القانون الكندي: 

نفس الوضع نجده في القانون الكندي ، ولذا فقد اقترحت اللجنة المكلفة بتعديل هذا القانون أن يمتد امتياز عدم الإدلاء بالشهادة إلى كل من تربطهم بالمتهم علاقة قرابة. 

  • الولايات المتحدة الأمريكية: 
فإن الأشخاص الممنوعين من الشهادة أو من يجوز لهم الامتناع تختلف من ولاية إلي أخرى ، فالأغلبية العظمى من الولايات تعترف بالسر الطبي وخاصة ولاية نيويورك والتي أقرته تشريعياً منذ 1828 ، كما أن بعض التشريعات في الولايات الأخرة تمنح الحماية لرجل الدين ، والمحلل النفسي هذا بالإضافة إلى حق سر المهنة المقرر للمحامي ، وعموماً فإن الصورة التي يمكن استخلاصها من دراسة القانون الأمريكي هو أن امتيازات الإعفاء من الشهادة تبدو أوسع بكثير منها في إنجلترا وبقية دول الشريعة العامة.

  • المقال

  • الكاتب:

    الدكتور مينا فايق
  • تصنيف:

    القانون الجنائي القانون المصري المحاضرات